بغداد- العراق اليوم:
▪مهند الساعدي
انها امانة الله ، ورسوله ، والمؤمنين ، وامانة الشعب عامة ، من انتخبك وانتخب حزبك ، ومن لم ينتخبك ، ولم ينتخب حزبك . وأنك على كلِ حال مامورٌ باداء هذه الإمانة الى اهلها ، وان تقيم العدل الذي هو أساس الحكم ، والسبب المتصل لدوامه .
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
إنَّ تحمّل الامانة ، يحتاج الى طاقة عظيمة ، دونها القدرة على حمل الحديد ، وحمل الصخور ، ذلك أن الثقل في الماديات ، ينوء به البدن ، وتخور أمامه القِوى . والثقل في المعنويات تنوء به الروح ، ويحتار فيه الضمير . وان الكسل والفشل ، في تحمل الثقل المادي ، يختزي به الجسد ، ويبان ضعفه ، وهزاله . لكن الانهيار في تحمل المسؤولية ، والضعف عن أداء الامانة ، انما تختزي به الروح ، وينفضح فيه الضمير ، ويبان ضعف الايمان ، ومرض القلب .
فهذه أمةٌ من الناس ، جائت بك من بيتك الذي وسعك بالأمس ، على ضيقة وبِلاه ، ليس عليك الا اسمالك ، واطمارك ، وانت لا تملك الا ثقتهم ، وراتبك الشهري .
ثم انهم ولوك خزائنهم ، وأعطوك مفاتيح إحرازهم ، وجعلوك حارساً ، وقيماً ، وقائماً على ثروات باطن الارض ، وظاهرها ، وزرعها ، ونمائها ، وخراجها ، وضرائب الناس ، (وگمارك ) السلع ، وصفقات التجار . فهي لهم وانت عليها امين ، وهم اهلها ، وانت منهم ، لك مالهم ، وعليك ما عليهم . فلا تمدنَّ على اموالهم عيناً ، فيغويك الشيطان بالطمع والشره ، ولا تمدنَّ عليها يداً ، فيكون دوائهاالقطع .
واعلم ان عين الله لا تنام ، وانه يعلم السر وأخفى ، وانه هو الرقيب اليوم ، وهو الحسيب غداً ، وانَّ الآمرية له ، وان الشاهديَّه له . وان ( من تتبع الله عثرته فضحه ) ولو في جوف داره ، وفِي محكم فساده ، واحتياله ، وشيطنته ، واختلاسه .
ثم اعلم ان غواية الاقارب ، وطنطة الزوجة ، وشرهة الاولاد ، والتفاف المعارف والاصحاب ، كلهم يريدون منك ان تبيعك دينك ، وأخلاقك ، ومهنيتك ، وأمانتك ، من اجل دنياهم .
فسيطلبون منك ما يحق لهم وما لا يحق ، ويتخذونك سُلّماً للوصول الى شهواتهم ، ومطامعهم ، وأحلامهم غير المشروعة .
وهم في كل ذلك يعلمون ، ان الرحم ماسه ، وان ألقلب رقيق ، وان اخلاق الوظيفة في مجتمعهم ، تودي بالوزير ، ان يقدم عادات ، وأعراف ، وتقاليد التشريف ، على واجبات التكليف .
فتقارن زوجتك حالها مع حال زوجة نظيرك الوزير الفاسد ، ويقارن ابنك سيارته مع سيارةابن ذلك النظير ، وتقول لك ابنتك ، حبيبة قلبك : اجعل لي مثل ما جعل صاحبك لابنته .
وكذلك يريد ، وكذلك يقول اخوك ، وابن عمك ، وجارك ، وصديقك .
فكيف بك في هذه المحنة العظيمة ؟ وانت الضعيف الذي يحيط بك ابليس ، والدنيا ، ونفسك ، والهوى ؟
هنا تَذَكّر ان عقيل بن ابي طالب قد جاء الى اخيه رئيس الدولة ، ورئيس وزرارئها ، ووزيرها الاعظم ، الخليفة الامام علي بن ابي طالب ( ع ) ،فكان بينهما ما كان .
يقول عليه السلام :
والله لقد رأيت عقيلاً و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، و رأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم ، كأنما سودت وجوههم بالعظلم . و عاودني مؤكداً ،و كرر علي القول مردداً ، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني ، و أتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، و كاد أن يحترق من ميسمها قفلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟أتئن من الأذى ! و لا أئن من لظى ثم ساق عليه السلام هذا الكلام حتى قال :
و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها . ما لعلي ولنعيم يفنى ، ولذة لا تبقى ، نعوذ بالله من سبات العقل ،و قبح الزلل ، و به نستعين وكان عليه السلام يقول :
( والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، و اأُجرُ في الأغلال مصفداً ، أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، و غاصبا لشيء من الحطام ، و كيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ، و يطول في الثرى حلولها ) .
فتكون بذلك المواساة لك ، والثبات على يقينك ، والربط على قلبك الذي قد يضعف .
ثم اعلم ايها الوزير :
ان مرؤسيك وموظفيك ، والعاملين في وزارتك ، من الوكيل ، والمفتش ، والمدير ، الى السائق والبواب والفراش ، سيقدمون لك ، في يومك الاول بالوزارة ، قرابين المودة الزائفة ، وفروض الطاعة المدخولة ، ويقلبون لك الامر .
فاحرص ان تكون علاقتك بهم مهنية ، وقربك منهم بحسب مصلحة العمل ، وخدمة الشعب . فلا تقرب اليك المتملقين ، والنمامين ، والمنافقين ، والماكرين الذين عشعشوا في الفساد ، وادمنوا الخيانه . وان شر هولاء من كان قبلك للظالم وزيراً ، او خادم للوزير .
ثم اعلم ان الجهد ، والمثابرة ، والاجتهاد في العمل ، هو بعين الله ، وان الله يبارك لك السهر ، والإعياء ، وقلة الإجازة ، والزيادة في العمل ، والتاخر بعد الدوام ، والإرهاق ، وقلة التركيز ، فيجعله سبباً لطيب مأكلك وملبسك ، ومشربك، ورزقك الحلال . ويدفع عنك بهذا الإخلاص ، بغي الظالمين ، وكيد الحاسدين ، ومؤامرات الطامحين لها والمنافسين .
ثم أعلم ايها الوزير :
انك ان ضعفت ، واقترفت ، وجعلت الله اهون الناظرين اليك ، فان هناك من يراقبك ، ويتجسس عليك ، ويتابع حركاتك وسكناتك ، سواء كان عدو متربص ، ام صديق حريص . وان من ورائك - بعد ذلك - المفتش العام ، والرقابة المالية ، وهيئة النزاهة ، ورئيس الوزراء ، وعشرين صحيفة ، وعشرة فضائيات ، والفيسبوك ، وتوتير ، والوتساب ، وساحة التحرير ، وخطباء الجمعة ، وقراء التعزية ، ورواد المقاهي ، وبائعات الفواكه والخضار الشريفات في الاسواق الشعبية ، والإنتربول الدولي .
كلهم سوف لا يرحمون ضعفك ، ولا يغفرون لك خيانتك ، ولا يتجاوزون عن خطائك . وسيطالبون يفضحك ، ومحاكمتك ، وسجنك ، وسلخ جلدك ، ولحمك ، وعظمك ، وارجاع ما سرقته من اموالهم ولو وجدوه قد تزوجت به النساء ، وتملكت به العقارات ، وغصت به بنوك سويسرا ، وبلجيكا ، ولكسبورغ .
انك اذا أديت الامانة ، واجتنبت الخيانة ، وكنت مثالا ً للنزاهة ، والشرف المهني ، فان الراتب سوف يكفيك ، وان الله سوف يكفيك ، وان راحة الضمير ، والنوم الهانئ سوف تكفيك .
وفوق ذلك كله ، سترتفع أصوات ناخبيك بعد أربع سنوات ، وربما يرشحك حزبك لرئاسة الوزراء ، او رئاسة الجمهورية ، او يستوزرك مرة اخرى . ومن يدري فقد تكتب في مدحك المقالات ، وتصير مضرباً للأمثال ، ويمدحك الشعراء ، او يصنع لك تمثالاً بعد موتك ، يوضع في باب الوزارة التي حافظتَ على امانتها .
واعلم ايها الوزير :
ان الله العزيز الحكيم يقول : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )
واعلم أيها الوزير :
ان رسوّل الله ( ص ) يقول : ( لا إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَه )
وقال ( ص ) : ( أداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر )
( ان الامام امير المؤمنين يقول : ( راي الاسلام الامانة ورأس النفاق الخيانة )
ان بعض الحكماء الأذكياء قال : ( الأمين يغير أفكاره لتتناسب مع الحقيقة، والمخادع يغير الحقيقة لتتلائم مع أفكاره )
ثم اعلم -هداك الله- ايها الوزير ان الشاعر يقول :
يا مالكي أمرِ العبادِ تذكروا للهِ نقض الحكم والإبرام
فستُسألونَ عن الأمانةِ فأعملوا خيراً ليوم تزاحم الأقدام
*
اضافة التعليق