بغداد- العراق اليوم:
ثمة معادلة لا تقبل القسمة على اثنين، انها معادلة، كل نتائجها تؤدي الى رقم واحد، هو ان الفساد الذي يجتاح البلاد بعرضها وطولها، مؤداه وطريقه واحد، لا يمكن ان يشترك معه اكثر، ونقصد بذلك الفساد السياسي، الذي افسد الدولة برمتها، ودمر قيم النزاهة التي كانت الدولة تتسم بها. اذاً الطريق الى القضاء على الفساد برمته، يمر عبر القضاء على الفساد السياسي، فإذا اطيح به، سيطاح حتماً بما دونه، وان بقي من غير توجيه ضربة قوية لأركانه، وعناصره الفاعلة، فهذا يعني إننا لم نحقق شيئًا، ولن نتقدم خطوة واحدة في هذه المعركة الشرسة. ومن هذا المبدأ، فأن فسادنا السياسي ابتدأ مع توسيع دائرة الحكم، وادخال عناصر كواقع حال، او لحاجة وضرورات العملية الديمقراطية التي كان يراد لها ان تتشكل من كل مكونات المجتمع، وعناصره وشرائحه، فكان ان تسلل الى داخل هذه العملية اشخاص يحملون ڤايروس الفساد، وعثة الافساد، وتغلغلوا بفعل قدراتهم الرهيبة على الاختراق ، والنمو طفيليًا في الاعماق والدهاليز الرطبة. هولاء الذين كان بعضهم موظفين في دولة القهر والفساد الصدامية، تسللوا بمعونة او تزكيات او تنازلات الى مواقع الدولة الجديدة، فدمروا كل شيء امامهم، رغبةً في الانتقام، او طمعًا في بناء امجاد شخصية، وتكديس المال الحرام الذي صار دولةً بينهم. من هولاء موظفة فاسدة كانت تعمل في دائرة تسجيل عقاري بغداد، تدعى عالية نصيف، عرفها العراقيون في اطلالة تلفزيونية يتيمة، كمواطنة عشية الحرب وهي تعاهد القائد الضرورة على الدفاع عنه وعن نظامه، ولكنها سرعان ما تسللت تحت عباءة علاوي التي اتسعت لايتام البعث وبقاياه فكان اياد، حصان طروادة الذي ادخل هولاء الى العمق وانتهى دوره معهم. لقد مارست عالية (التي لم تكن عالية بأي شيء) ابشع اساليب الفساد والافساد، وظلت تلعب على ملفاتها الرهيبة في حكومة علاوي الاولى، ثم تحولت الى عنصر فاعل في حركته السياسية وعضو في قائمته العراقية، وبقيت تمارس ادورًا متعددة. وحين اجتثتها هيئة اجتثاث البعث، قام علاوي ذاته بدفع ٥٠ الف دولار امريكي عن طريق رجل الاعمال الفاسد اكرم زنگنة لرفع هذا الاجتثاث عن عالية، وهذا بإعتراف علاوي ذاته في مقابلة تلفزيونية مشهورة، وهنا كفل علاوي عالية، وضمن بقاءها في قلب دائرة الفساد العظيم. وحين خسر علاوي ما بيده، وفقد امتيازه كمسؤول عن تقديم النطائح والمتردية للعملية السياسية، ولم يعد لديه المزيد، لم تجد عالية بدًا من الانتقال الى اي ضفة، وتقف مع اي مشروع يؤمن لها البقاء ضمن عملها في ابتزاز الوزارات والهيئات والدوائر، حتى باتت المرأة الحرباء، لا تكل ولا تمل بحثًا عن الامتيازات والمكاسب. مع قائمة دولة القانون التي كانت تترأس الحكومة، انسلت خلسةً لتترشح عنها، ولتبدأ اللعب على المتناقضات في الحكومة والبرلمان، وتدفع بالمزيد من الاوراق في لعبة الفساد، هي وفريق اخر تخصص هو الاخر لهذه المهام الجسام. وبقيت المرأة الباحثة عن الكومنشات والعقود والامتيازات تحلب الدوائر الدسمة، وتعقب لمن يبحث عن نفوذ وجاه ومال وفير. لم تنته عالية عند حد، الى ان فضحها وزيرا الدفاع السابق، ووزير التخطيط الحالي، عبر نشر وثائق ومستندات تثبت تورطها بملفات ابتزاز، ومساومات، وفي ممارستها لضغوط جبارة من اجل الحصول على منافع ذاتية، ومن اراد التيقن فليذهب الى موقع الفيديو الشهير وليشاهد مئات الفيديوهات التي نثبت ما نقول وتزيد عليه بالصورة والصوت. مع اقتراب انطلاق حملة العبادي على الفاسدين، ومع بدء تسريب اسماء كبار الفاسدين في البلاد، بات اسم هذه المرأة يطرح بقوة من بين الذين استغلوا النفوذ السياسي لتحقيق ثروات هائلة، والاثراء الفاحش على حساب المال العام. حتى ان صحفيين عراقيين علقوا على هذا بالقول ان العبادي سيقتاد الفاسدين الى السجون سلسلةً طويلة، لكن المفارقة ان من يتقدمهم هذه المرأة بكل تأكيد، وحينها سنكون قد قبرنا الفساد السياسي الى الابد، وخلصنا العملية الديمقراطية من افة المتسلقين والفاسدين (والفاسدات).
*
اضافة التعليق