بغداد- العراق اليوم: مثل خلايا سرطانية متغولة وسريعة الانتشار، هكذا يمكن وصف ظهور تنظيم داعش الارهابي حول العالم، فمن يراجع الخارطة العالمية، سيجد ان البقع السوداء تنتشر على خارطة اغلب دول العالم، سواءًا عبر احتلال مباشر للأرض كما في العراق ومصر وسوريا وافغانستان وليبيا والصومال واندونسيا والفلبين وبنغلادش، او غير مباشر عبر خلايا نائمة متوحشة في الاردن والسعودية وتركيا وباكستان وحتى الدول الاوربية والولايات المتحدة، حيث نفذ التنظيم مئات الهجمات الارهابية، وقتل الاف من البشر، وحين اشتدت سيطرة هذا الوحش على بعض الدول، واحتل بتواطئ خارجي اراضي عراقية واسعة، واجزاء ستراتيجية من سوريا وليبيا ومصر، كان العالم قد اعلن ان التنظيم خرج عن السيطرة، وان هذه الدول ستنهار الى الابد وستتحول الى دويلات داعشية، بل رجحت الولايات المتحدة الامريكية ذاتها ان يستغرق التنظيم اكثر من ثلاثين عامًا على الاقل، فكيف اختزل العراقيون العقود الثلاثة الى ثلاثة اعوام فحسب، وكيف نجحوا في قلب المعادلة رأسًا على عقب؟. في الحروب الاستنزافية، تحتاج الدول الى ثقة ودعم شعبي، لأنها بدونه ستنزف قواها سريعًا وستنهار في وقت قياسي، اما اذا امتلكت زخمًا شعبيًا فأنها ستكون بمأمن من الاستنزاف، وسيكون عامل الوقت بصالحها لإستنزاف العدو لا العكس. من هذا المنطلق يمكن ان نفهم فتوى مرجعية النجف وتشكيلها للحشد الشعبي المقدس الذي كان ظهيرًا ساندًا، بل وفاعلًا على الارض، قلب معدلات الحرب وحول الهزيمة الى نصر ستراتيجي، واستثمرت الدولة العراقية قدراته الهائلة في دعم قواها النظامية، وتحرير الارض، ومسكها، ومن هنا يمكن وصف الحشد الشعبي بأنه الركن الاساس في صناعة النصر، فهل هناك اركان اخرى لنصرنا الكبير؟. بكل تأكيد، عوامل النصر العراقي الباهر متعددة، فبالاضافة الى فتوى المرجعية والحشد، لا يمكن نسيان دور جيشنا العراقي الباسل، لا سيما مع ادارته المقتدرة من قبل القائد العام للقوات المسلحة، الذي اثبت - وهو الرجل الذي لم يتخرج من كلية عسكرية، أو معهد اركان حرب- بل هو رجل اقتصادي اكاديمي مدني، اثبت كفاءة عالية، وسعة افق وصبراً جميلاً ، حيث يقال وللحق أن الرجل منح اصحاب التخصص الميداني حرية العمل والتخطيط والتنفيذ، لكنه وضع جميع الخيوط في يده، كي لا تتشابك وتتعقد، او تتصادم في ما بينها، وبذلك نجح في حفظ مواقع ومهام كل طرف دون المساس بمواقع ومهام الطرف الآخر كما اثبت العبادي ان سر النجاح لا يكمن بالتعجل والتفرد، والرأي المطلق، انما هو في الهدوء والتعقل والتشاور، والتخطيط الستراتيجي الامثل، لذلك نجحت قيادته في ادارة المعارك وتحقيق النصر.. يساعده في ذلك قائد عسكري لا يقل هدوءاً وتعقلاً وصبراً وحكمة، ونقصد به وزير الدفاع العراقي عرفان الحيالي، الذي توصف قيادته بالكياسة، والقدرة العالية على الاحتواء، فضلًا عن توظيفه قدرات وزارته الهائلة بشكل امثل، ومن هنا يكون دوره ودور جيشه، الركن الاخر في معادلة الانتصار العراقي العظيم. وسيجانب الحقيقة من ينكر دور جهاز مكافحة الارهاب العراقي بقيادة الفريق الركن الدكتور طالب شغاتي، الذي لعب دورًا هائلًا في ما يسمى عسكريًا بسط الارض وتليين العدو وامتصاص زخمه، وتفكيك ترابطه، فكان جهاز مكافحة الارهاب القوة التي استخدمها العراق في المواجهة فتضاعفت امكاناته، حتى اصبحت قوته قوة لا يجاريها على الارض أي جهاز مشابه لبأسه الشديد. وكي نعطي كل ذي حقه بهذه العجالة، فلا يمكن ان ننسى دور قوات وزارة الداخلية الباسلة، وتشكيلاتها ذات البأس الشديد، لا سيما الشرطة الاتحادية المغوارة، بقيادة الفريق رائد جودت وضباطه الابطال. ومن مربع النصر العراقي لن ننسى بالتأكيد الدور البطولي لجهاز المخابرات الوطني العراقي الذي كان ولا يزال ينال قصب السبق في تدمير جهاز داعش وتفكيكه واختراقه، بقدرات وطنية عراقية، حد ان الجهاز امتلك عن داعش وفروعها معلومات ابهرت دولًا تنفق مليارات الدولارات على اجهزتها المماثلة، ولذا فأن صناعة النصر الهائل على داعش صناعة عراقية بامتياز ، ولا يمكن للعالم سوى ان ينحني امام بطولات العراقيين الذين اخترعوا مكافحة داعش والذي قضى عليه وعلى توسعه الى الابد.
*
اضافة التعليق