بغداد- العراق اليوم:
توفيت قبل يومين السيدة أم زهراء زوجة الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء ووزير النفط السابق، ولأن للفقيدة قصة حياة مثيرة، واستثنائية، وحافلة بالتقدير، والبذل والتضحيات، قصة تستحق الذكر، والإطلاع والتعرف، قصة أمرأة اجنبية، غادرت بلدها كندا، وهجرت دينها، واهلها قبل اكثر من أربعين عاماً لتتزوج من شاب مسلم عراقي من اسرة علوية كربلائية، وتقيم معه في بلاده، لتكون قريبة من قباب كربلاء، ومن ضياء قبة امير المؤمنين، بعد ان اسلمت وآمنت بالرسالة السمحاء التي اسلمت لاجلها.
ان من يطلع على قصة حياة الفقيدة أم زهراء التي وافاها الاجل قبل أيام، ويتعرف على سيرتها، تنتابه الدهشة من قرار جريء ومصيري، اتخذته شابة كندية في أوائل عمرها، بأن تغادر بلدها الذي يزهو بالرخاء والنماء والحرية، وتترك دينها وأحضان أسرتها، لكي تعتنق الاسلام وتقرر الزواج من شاب متدين ينتمي لأسرة ملتزمة ومحافظة. وسرعان ما امتزجت طباعها وكينونتها بفعل نقاء فطرتها وجمال سريرتها بأحكام الدين الجديد الذي انتمت اليه بقناعة، وتقبلت بسرعة عجيبة ما يفرضه الالتزام الديني والثقافة الاسلامية من تغيرات جوهرية في الملبس والمأكل والسلوك، اختارت ذلك بإيمان كبير، بل وسرعان ما بدأت رحلة العطاء التربوي بعد أن أصبحت مدرسة للغة الانكليزية في ثانوية بغداد للبنات، والى الان تتذكرها الطالبات بكل زهو وافتخار لما غرسته في ذاكرتهم من طيبة، وحسن خلق رفيع .
من كان يصدق أن تصر هذه المرأة الاجنبية حديثة العهد بالتدين واللغة والاجواء على البقاء في العراق، وعدم العودة الى بلدها المترف، وأن تتحمل أعباء تربية الاطفال والرضا بحياة الخوف والفزع في مواجهة جبروت أعتى نظام قمعي، بعد أن سلب منها زوجها واودعه غياهب سجونه المرعبة !
لقد اختارت الطريق الاصعب ، واستكمال ما يخصها من رسالة الصمود والتحدي ، واتخذت من طريق سجن أبوغريب الموحش سبباً لرفض الطغيان والظلم ، وكان يعضد احدهما الاخر بالتمسك بسيرة أهل بيت النبوة وتحدي الطاغوت بالصبر والسلوى والثقة المطلقة بالله، وقد اورق ذلك الصبر ولو بعد حين ، عبر رحلة الهروب الشهيرة التي قام بها زوجها الشهرستاني ، ذلك الهروب من أشد معتقلات الارض قسوة ، ولتبدأ قصة عطاء جديدة ، هذه المرة في المهجر، حيث شاركت مع الدكتور الشهرستاني في تأسيس منظمة الاغاثة العراقية من اجل تقديم المساعدات الانسانية الى اللاجئين والمهجرين العراقيين ، وايصال صوتهم ومظلوميتهم العظيمة الى المنظمات الدولية عبر الاتصال بالامم المتحدة ، وامتدت رحلة الصمود والعطاء بعد انهيار النظام السابق ، ووقوفها الى جانب شريك عمرها في إنجاز مهمته الوطنية في التأسيس للعملية السياسية في العراق الجديد ، من دستور وانتخابات، وتشييد للمؤسسات، وتعويض الضحايا، وأسر الشهداء.
هذا غيض من فيض شمائلها الرائعة ، وهو حق وواجب علينا في أن نقف عند هذه التجربة الانسانية المشرقة، التي ينبغي أن تكون نموذجاً للوفاء والصدق والعطاء وموئلا للايمان والصبر وعنواناً للاصرار والتحدي، تستلهم منه الاجيال والشابات خصوصا ، بما يبثه من هدى ونور .
*
اضافة التعليق