وأخيرًا… سقط الرجل الذي حكم شمال العراق أكثر من الديكتاتور صدام حسين

بغداد- العراق اليوم:

غدًا الأربعاء حين تُشرق شمس كردستان، وتبزغُ من خلف الجبال الشاهقة على مدن اربيل، دهوك، السليمانية، حلبچة، سيكون هذا اليوم مختلفًا تمامًا، انه اليوم الاول بطعم التحرر من الديكتاتورية القبلية التي جثمت على صدور شعبنا الكردي، دون وجه حق ولا مبرر، سوى ارث نُقل وراثيًا من الملا مصطفى برزاني، الى ولده مسعود الذي تولى رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ ١٩٧٩، وياللمصادفة إنه ذات العام الذي جاء  به دكتاتور بغداد للسلطة.

منذ ذلك الحين والحكم القبلي الرجعي ينشب مخالبه المتوحشة في قلب الشعب الكردي فارضًا نفسه بقوة البنادق، لا اختيار الناس، ومضت سنوات عجاف من سلطة هذا الرجل الذي بلغ من العمل ارذله، وبقي للساعة الأخير منافحًا عن سطوته، يأبى ان يستجيب لنداء التأريخ، ويذعن لحركته الهادرة، ولكن آنى له ذلك؟

وكل شيء من حوله يستحثه على الرحيل باقصى درجات الهدوء، ولكنه يرفض ايضًا حتى عرض الساعة الأخيرة، فيسمح لمليشياته ان تستبيح المدينة الجميلة اربيل، نهبًا  وتدميرًا وخطفًا واعتداءات بالجملة، الى الحد الذي قال الجميع ان الطغاة يفكرون بمنطق واحد، فصدام وعد انه سيسلم بغداد ترابًا لمن بعده، ومسعود يفعل ذلك على خطى سيده المقبور!

كيف لا، وهو الذي جاوزت سنوات حكمه حكم صدام نفسه، حليفه الستراتيجي وملتجأه حين تضيق به ارض كردستان الرافضة لظلمه؛  انتهى اذن الرجل غير مأسوف عليه، ولن يعود بدءًا من الغد الى السلطة، وليسدل الستار على ذاته شخصيًا، دون ان يسدل على بقاياه المنتشرة في جسد السلطة الكردية دون وجه حق.

ترحيب امريكي مفاجئ!

سريعًا رحبت الولايات المتحدة، باعتزام رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، مغادرة منصبه بعد انتهاء ولايته مطلع الشهر المقبل.

وقالت الخارجية الأميركية، في بيان: "تشيد الولايات المتحدة بقرار مسعود البارزاني عدم السعي لدورة رئاسية جديدة وتصويت برلمان الإقليم على توزيع الصلاحيات الرئاسية على مؤسسات الإقليم".

وأشارت إلى أن واشنطن تترقب بدء حوار فاعل بين رئيس وزراء الإقليم، نوشيروان البارزاني، ونائبه قباد طالباني، عقب مغادرة البارزاني لمنصبه.

ودعت حكومة الإقليم الحالية إلى العمل من أجل حل المشاكل العالقة خلال الفترة المتبقية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل.

وناشدت حكومتي بغداد وأربيل بالعمل بشكل سريع لحل القضايا العالقة بينهما وفقاً للدستور العراقي، مؤكدة تشجيعها للحوار الأمني الذي تم في الأيام الأخيرة بين الجانبين.

تركة مسعود الثقيلة!

يواجه أكراد العراق، الذين أمضوا نحو ثلاثة عقود من الحكم الذاتي، اليوم، أخطاراً داخلية تمثلت بالصراعات والانقسامات وحرق مقرات الأحزاب، وأخرى خارجية ضاغطة باتجاه منع إقامة دولة كردية حتى وإن كان من خلال الحرب.

وحصل الإقليم الكردي على الإدارة الذاتية عام 1990، إثر حرب الخليج الأولى، منحته حرية كاملة في الملفات الأمنية والسياسية والتجارية وحتى تلك المتعلقة بعلاقاته مع العالم الخارجي بمعزل عن بغداد، ومن ثم منحه ربع موازنة الدولة الاتحادية وتخصيص مناصب قيادية لهم بالدولة الحديثة، من أبرزها رئاسة الجمهورية، ورئاسة أركان الجيش، ووزارتان سياديتان ببغداد، عدا عن حرية التصرف بالمنافذ البرية والجوية واستقلال الجهاز القضائي لدى الإقليم.

من هذه الامتيازات أيضاً استحداث وزارة داخلية خاصة بالإقليم بعد عام 2003، فضلاً عن تصديره النفط والغاز، إلى جانب إدارة حقول النفط الشمالية والتعاقد مع الشركات الأجنبية. غير أن غالبية هذه المكاسب تلاشت، اليوم، وأخرى في طريقها إلى الفقدان من بينها استعادة بغداد (12 ألفاً و782 كيلومتراً مربعاً) من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها ضمن ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها، وتشمل 28 مدينة وناحية وقضاء وإدارة ملف النفط والغاز والمنافذ البرية والجوية والتصدير والاستيراد، عدا عن إقالة عدد غير قليل من المسؤولين الأكراد وقطع مرتبات موظفي الإقليم وقوات "البشمركة" وجعل التعاملات الخارجية للإقليم مشروطة ببغداد للموافقة عليها قبل مرورها إلى أربيل.

خلال أسبوعين فقط خسر الأكراد الكثير من الامتيازات التي كانوا قد حصلوا عليها خلال الثمانية والعشرين عاماً الماضية بعد خطوة استفتاء الانفصال، التي استغلتها بغداد للحصول على دعم دولي وإقليمي لاتخاذ خطوات، اعتبرت بمثابة "خنق للإقليم وإنهاء حالة المركزية"، التي يعيشها بمعزل عن الحكومة العراقية، إلا أن الأهم هو عودة شبح الحرب الأهلية والتناحر بين الأحزاب الكردية.

ويوم أمس، تبادلت الأحزاب الكردية لغة التخوين والتهديد، عندما هاجم أنصار رئيس الإقليم المستقيل، مسعود البارزاني، مكاتب أحزاب التغيير والاتحاد وحركات أخرى معارضة وأضرموا النار فيها بشكل دعا تلك الأحزاب إلى توجيه نداء للحكومة ببغداد في التدخل لحمايتها.

وفي هذا الصدّد، قال عضو البرلمان العراقي عن الجماعة الإسلامية الكردية، أحمد حمة رشيد، "، إن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، جلب الكوارث للأكراد،

موضحا أن "الأخير تسبب بخسارة الإقليم مكتسبات كثيرة حصل على بعضها بالدم".

واعتبر رشيد أنّ تقديم البارزاني استقالته يمثل مناورة سياسية تهدف إلى تحويل العار الذي لحق بمدة حكمه إلى انتصار سياسي، محملاً إياه مسؤولية ضياع المكاسب الكردية، وسقوط خسائر بشرية.

من جهتها، قالت رئيسة كتلة "حركة التغيير" الكردية في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، في بيان، إنّ الانتكاسة التي يتعرض لها الشعب الكردي لا مثيل لها في التاريخ، معتبرةً أنّ البارزاني أوقع الأكراد في هذا المأزق من أجل الاستمرار في منصبه.

وحمّلت عبد الواحد القوات الأمنية التابعة للعائلة الحاكمة في إقليم كردستان (عائلة البارزاني) مسؤولية الفوضى الأمنية في الإقليم، مطالبةً الرأي العام في العراق والعالم بالوقوف بوجه الطغاة.

محمود عثمان : مسعود ضيع مستقبلنا السياسي!

بدوره، انتقد السياسي الكردي، محمود عثمان"، السياسات التي وصفها بـ"الخاطئة لرئيس إقليم كردستان التي تسببت بانهيار حلم الدولة الكردية"، مبيناً أنّ المكاسب السياسية التي حققها الأكراد على مدى عقود انهارت في أيام نتيجة للقرارات غير المحسوبة للبارزاني.

وأوضح عثمان أن "إقليم كردستان خسر وضعه السياسي القوي في الداخل والخارج بعدما تخلى الجميع عن دعمه، حتى حلفاؤه الدائمون من الأميركيين والأوربيين"، مشيراً إلى تعرض الإقليم إلى انتكاسة أمنية غير مسبوقة حين عجزت القوات الكردية عن الوقوف بوجه الجيش العراقي، الذي استعاد كركوك التي تعتبر "قدس الأكراد"، كما يسميها الرئيس العراقي (الكردي) الراحل جلال الطالباني.

تركمان العراق : العالم يدعمنا

وتابع: "لا يمكن أن ننسى الوضع الاقتصادي الحرج في الإقليم بسبب الحصار الذي فرض عليه بعد الاستفتاء"، مرجحاً "حدوث مزيد من التراجع لمكاسب الكرد في المستقبل، يقابل ذلك صعود لمنافسي الأكراد في المناطق المتنازع عليها كالعرب والتركمان".

في السياق ذاته، أكّد عضو البرلمان العراقي عن المكون التركماني، جاسم محمد جعفر، في بيان، وجود تأييد عراقي وإقليمي ودولي لتحويل كركوك الى محافظة تركمانية، مطالباً بأن يكون منصب محافظ كركوك للتركمان، ونائبه للعرب، ورئاسة مجلس المحافظة للأكراد.

ولفت إلى أنّ "الهيئة التنسيقية العليا لتركمان العراق عقدت،، اجتماعاً في العاصمة التركية أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان"، موضحاً أنّ المجتمعين ناقشوا مستقبل التركمان ومشاركتهم في الأمور الاستراتيجية خلال السنوات الخمس المقبلة.

وبين أنّ "التركمان لمسوا تأييداً عراقياً وتركياً وإيرانياً وأممياً لمستقبلهم السياسي في كركوك وجعلها تركمانية"، لافتاً إلى "وجود تأييد لتحويل مدينتي طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، وتلعفر بمحافظة نينوى إلى محافظتين".

علق هنا