كيف تسبب قاسم سليماني في فرار المهندسين من حقول نفط كركوك؟

بغداد- العراق اليوم:

كشفت وكالة “روتيرز” في تقرير لها اليوم الخميس عن ما أحدثه الوجود الميداني للجنرال الإيراني قاسم سليماني الأسبوع الماضي أثناء دخول الجيش العراقي والفصائل الشيعية المدعومة من إيران الى منشأة رئيسية لمعالجة النفط في شمال العراق لاستعادتها من أيدي قوات البيشمركة .

كان المهندسون والعمال في المنشأة التي تعالج النفط المنتج من حقلين في منطقة “كركوك” قد لاذوا بالفرار خوفا ورعباً  من الزحف العسكري.

وقال مصدر كبير بصناعة النفط الكردية مشيرا إلى رئيس العمليات الخارجية للحرس الثوري الايراني، “لم يكن أحد يريد المخاطرة بحياته وقرر- الجميع – إخلاء الموقع لأن الحكايات عن الفصائل الشيعية وقاسم سليماني تنتشر بسرعة .

ومن المرجح أن يحرم فقدان السيطرة على حقول نفط “كركوك” حكومة إقليم كردستان العراق من عائداتها الحيوية ويتسبب في قلق عميق لدى شركات التجارة العالمية مثل “فيتول وجلينكور”، التي منحت حكومة الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي مليارات الدولارات قروضا بضمان مبيعات النفط المستقبلية.

وجاء الهجوم العسكري الخاطف الذي شنه الجيش العراقي في شمال البلاد بعد أن أجرى إقليم كردستان استفتاء على الاستقلال الشهر الماضي.

وكان الجنرال سليماني، الذي يعد من أقوى الشخصيات العسكرية في الشرق الأوسط وله نفوذ في سوريا ولبنان، قد أصدر تحذيرات مشددة للقادة الأكراد قبل بدء الزحف العسكري العراقي.

وقال مهندس من شركة “نفط الشمال”، التي تديرها بغداد، امتنع عن ذكر اسمه لأنه تلقى أوامر ألا يتحدث علانية عن هذا الموضوع: “دخلنا منشآت حقل النفط بعد هروب العمال والمهندسين الأكراد ووجدنا ملابس العمل وأحذية الأمان ملقاة على الأرض”. وأضاف “يبدوا انهم خلعوها وفروا بسرعة كبيرة”.

لماذا أُغلقت الآبار؟

دخلت أطقم شركة “نفط الشمال” منشآت النفط في حقلي “باي حسن” و”أفانا”، يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر للمرة الأولى منذ 2014 عندما طردت قوات البشمركة تنظيم داعش من المنطقة ووجدت جميع محطات النفط الخام مهجورة. كانت قوات البشمركة أيضا قد انسحبت من المواقع.

وقال مهندس شركة “نفط الشمال”: “بعد أن اكتشفنا أن بعض المعدات الرئيسية مختفية وكانت لوحة التشغيل تطلق أجراس الإنذار بحدوث عطل في معالجة النفط الخام أغلقنا الآبار على الفور”.

وبعد أسبوع من العملية مازال المهندسون العراقيون يكافحون لاستئناف إنتاج النفط في “كركوك”، ويقولون إنهم مازالوا يحاولون فهم كيفية تشغيل المعدات التي تعالج نحو 350 ألف برميل من النفط يوميا.

وأدى الهجوم العسكري إلى انخفاض إنتاج إقليم كردستان من النفط إلى أقل من النصف وخفض صادرات الإقليم للأسواق العالمية عن طريق تركيا بأكثر من الثلثين.

وقال مصدر كردي بصناعة النفط مطلع على عمليات تحميل الصادرات لـ “رويترز”: إن انخفاض الصادرات حرم المنطقة من عائدات تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار على مدار الأسبوع الأخير.

ووجه ذلك ضربة أخرى لمصادر تمويل الإقليم الواقعة بالفعل تحت ضغوط الحرب على تنظيم داعش وأزمة الميزانية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. وقد طالبت الولايات المتحدة الجانبين باستئناف الحوار وقالت إن التوترات تعرقل جهود الحرب على التنظيم.

التحدي الصعب

ويقول الجانبان إن استئناف إنتاج النفط وصادراته بصورة طبيعية سيكون تحديا صعبا وسيستغرق أسبوعا آخر على الأقل ولن ينجح إلا إذا اتفق المهندسون العراقيون والأكراد على التعاون.

ويوم الثلاثاء طلب مسؤولون بشركة “نفط الشمال” من مجموعة “كار الهندسية” الكردية إعادة عمالها وفق ما قالته مصادر من الجانبين. وقالت المصادر إن المهندسين العراقيين يحتاجون إرشادات بشأن كيفية تشغيل المعدات التي تم تركيبها حديثا في حقلي “باي حسن” و”أفانا”.

وتقع محطات الضخ والتشغيل للحقلين في مدينة “دهوك” التي لا تزال تحت سيطرة قوات البشمركة.

كلمة السر

قال المهندس العراقي: “منشآت الطاقة في كركوك أشبه بصندوق مغلق وطاقمهم هو وحده الذي يملك كلمة السر”، غير أن مصادر قريبة من مجموعة “كار” قالت: إن المجموعة الهندسية أحجمت حتى الآن عن العودة دون ضمانات أمنية.

ولفترة طويلة ظلت “كركوك“، إحدى أقدم وأفضل مناطق إنتاج النفط المعروفة في الشرق الأوسط، تحت سيطرة القوات العراقية إلى أن اجتاحها مقاتلو داعش، وفي عام 2014 استردت قوات البشمركة الكردية السيطرة عليها في إطار تقدمها لمحاربة التنظيم.

وسمح ذلك لكردستان باستعادة السيطرة على المنطقة التي يعتقد الأكراد أنها كردية ومن ثم زيادة الصادرات من حقول النفط واقتراض مليارات الدولارات من الشركات التجارية ومن شركة “روسنفت” الحكومية الروسية.

وقال المصدر الكردي بصناعة النفط “نحتاح لمعرفة نصيب كل طرف عندما يستأنف الإنتاج في الحقول. في الوقت الحالي التقسيم المحتمل للعائدات أبعد ما يكون عن الوضوح”.

وقبل الاستفتاء كان إقليم كردستان يصدر حوالي 600 ألف برميل يوميا من النفط الخام عن طريق تركيا وقال الإقليم إن ذلك منحه استقلالا اقتصاديا شبه كامل لأنه استطاع أن يسدد فواتيره دون الحاجة لانتظار تحويلات الموازنة من بغداد.

وبموجب الاتفاق مع بغداد كان إقليم كردستان يصدر 540 ألف برميل لحساب الحكومة الاقليمية في مدينة “أربيل” وحوالي 60 ألف برميل يوميا لحساب شركة “نفط الشمال”.

وبفقدان السيطرة على منطقة “كركوك” لا يصبح لإقليم كردستان من الناحية النظرية سوى 250 ألفا إلى 300 ألف برميل يوميا من إنتاجه وهو ما يقل عما يحتاج إليه للوفاء بالتزامات الدين؛ فقد أقرضت شركات “فيتول” و”جلينكور” و”بتراكو” و”ترافيحورا” إقليم كردستان حوالي 2.5 مليار دولار كما أقرضته شركة “روسنفت” الروسية حوالي 1.2 مليار دولار.

وفي الأسبوع الماضي قال ايفان غلاسنبرغ، رئيس شركة “جلينكور” إنه لا يستبعد إعادة جدولة الديون المستحقة لشركته

علق هنا