بغداد- العراق اليوم:
سالم مشكور
يظهر شريط فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، مواطناً كردياً من أهالي كركوك وهو يحيي أفراد قوات الشرعية التي دخلت كركوك لفرض القانون قائلا لهم: “عاشت ايدكم، و ياريت تكملون نحو أربيل لتخلصونا من مسعود”.
هذا المواطن البسيط يعكس موقف جانب كبير من الشارع الكردي، سواء الموالي منه لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أو حركة التغيير أو حتى جزء من حزب بارزاني ممن توجسوا من جموحه المنفلت وما سيؤدي اليه من ضياع الكثير مما تحقق ولو بمنطق الامر الواقع.
هذا الرأي يمثل أيضا أغلب قيادات حزب طالباني الراحل باستثناء من نجح بارزاني في كسبهم الى جانبه، رغم تاريخ العلاقة الدامية بين الحزبين.
هكذا توفرت اليوم ظروف الثأر من بارزاني الذي استعان في العام 1996 بالحكم في بغداد لطرد حزب طالباني من أربيل وتسليمها اليه .
ثمن ذلك كان مئات القتلى في صفوف البيشمركة بعد حرب بينية قبلها سقط فيها الآلاف منهم.
اليوم يعود حزب طالباني بقيادة زوجته وأبنائه الى استخدام ذات الأداة، (الاستعانة بقوات المركز) لتحقيق هدفين، الاول: الرد على ما فعله بارزاني العام 1996 وبذات الأداة، والثاني: انهاء استحواذ بارزاني على كركوك ومناطق أخرى، فضلا عن استئثاره بالمنافذ الحدودية وحقول نفط كركوك ذات الإنتاج الغزير، فضلا عن موارد نفط ابار الإقليم لا يعلم أحد أين تذهب.
لكن “المعين” كان هذه المرّة مختلفاً، فالمركز اليوم ليس نظام صدام، ولا أسلوب عمله، لذلك لم تدخل قوات الشرعية كركوك وباقي مناطق التمدد بقوة البطش والقتل والتدمير، بل أصرّ رئيس الوزراء على التروّي حتى اكتملت طبخة سياسية فيها الكثير من الدهاء الايراني – الانكليزي بتوظيف الخلافات وصراع النفوذ والثروة بين الحزبين الكرديين.
هكذا تمت الاطاحة بصرحٍ بناه بارزاني وصوّره محكماً ومنيعاً، لكنه أوصله، بعناده وعنجهيته وتصديقه مجدداً وعودَ من يمثلون قوى دولية وإقليمية، الى هاوية لا يخرج منها على المدى المنظور.
هنا جاءت الفرصة لتصحيح خلل عمره أكثر من أربعة عشر عاماً من انتهاك الدستور، وتخطي حدود الفدرالية التي رسمها، حتى بات الإقليم مستقلاً عملياً مع مشاركة المركز بباقي العراق، وفوق كل هذا واصل بارزاني تطاوله على الدولة الاتحادية (رغم مشاركته فيها بحصة كبيرة) وتهديده المستمر بالانفصال بذريعة انهم لا يحظون بشراكة حقيقية.
ما ساعد في التمادي سابقاً ضعف الحكومة الاتحادية، بل سعي أطراف عديدة على رأسها أطراف كردية الى إبقاء المركز ضعيفاً، دون استبعاد الضلوع في إبقاء الارتباك الأمني أيضا، من أجل ان يستمر التمدد دون منغصات. تم الامر أيضا بمساعدة أطراف إقليمية ودولية باحثة عن مصالحها، لكن ما لم يفكر به بارزاني، الفاقد للحنكة، أن المصالح تتغير بتغير المعادلات الإقليمية والدولية، وان الامر لا يقتصر على العلاقات بين الدول، بل حتى بين الأحزاب في دول مثل العراق. أصرّ على موقفه، وصدّق وعود ونصائح مستشارين أميركيين وغربيين مستفيدين من عقود نفطية وتجارية معه، بانهم يجلبون له الدعم الدولي، وتحديداً الاميركي، وهو ما لم يحصل. نعم ربما الموقف الاميركي المنقسم على نفسه بين متراخٍ ومتشدد أوحي للبارزاني أنه ضوء أخضر، كما فعل حديث السفيرة الاميركية أبريل غلاسبي لصدام عند تورطه بغزو الكويت العام 1990.
لم يستطع بارزاني أن يفهم أن رفض الادارة الاميركية استقباله، والرد عليه بأنّ عليه التوجه الى بغداد، يعني ان اندفاعه الى ترسيخ زعامته وهيمنته عبر الاستقلال مرفوض أميركيا، على الأقل في هذه المرحلة.
حسناً فعل بارزاني بعناده ، فقد وفر فرصة لبسط الشرعية على مناطق ومواقع غابت عنها لسنوات، مع ضرورة الحذر من الا يتحول الامر الى مجرد استبدال نفوذ حزب كردي باخر.
*
اضافة التعليق