هل هناك قوى وشخصيات كردية انفصالية، وأخرى غير انفصالية، ام كلهم انفصاليون ؟

بغداد- العراق اليوم:

منذ العام ١٩٩٢ على الأقل، والى يومنا هذا، مارست القوى السياسية الكردية عملية ممنهجة وستراتيجية لتدمير اي شعور وطني لدى المواطن الكردي، وجرت عملية الفصل العاطفي والشعوري، واحلال ثقافة قومية (شوفينية) بامتياز لدى الاجيال الشابة والصاعدة، التي غذتها الاحزاب الكردية (اليمينية واليسارية والاسلامية والمسيحية) بعقيدة ازدراء كل ما هو عراقي، وجحود كل ما يثبت ان اكراد العراق هم في النهاية جزء منه ومن هويته.

لعل من سافر الى الغرب او اي دولة، وجد فيها جالية كردية في التسعينات، سيكتشف ذلك بمرارة، فالمواطن الكردي اينما حل ينفي ان يكون من العراق، او ان العراق وطنه، بل ينفي وجود العراق تاريخيًا .

ولعل الكثير من المغتربين والمناضلين العراقيين الذين اضطرتهم الديكتاتورية للهرب الى المنافي، كانوا قد شخصوا هذا السلوك، وتوقعوا ان يواجه عراق ما بعد صدام، مشكلة اسمها النكران الكردي للهوية العراقية، والمحاولة الانفصالية المشبعة بروح الانتقام والثأر من هذا البلد، وكأن كل عرب العراق هم صدام.

لكن من المسؤول عن هذه العقيدة، ونشر ثقافة الكراهية والحقد على الوطن، ونكران الانتماء له،  هل هو وحده الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني؟ ام ان هذه الثقافة نتاج عملية تثقيف عام واسعة، وايدلوجيا حزبية عليا تم تبنيها من قبل كل التيارات التي رفعت شعارات مملؤة بتحدي الوجود، واستفزاز غريزة البدائية الاولى القائمة على مبدأ العصبة القرابية فحسب .

لم يختلف اليكتي عن البارتي وهما تسميتان ترمزان لحزبي جلال طالباني ومسعود البرزاني، الحزبان الابرز في تاريخ الحركة الكردية العراقية، في تبني نهج تعزيز روح الانفصال لدى المواطن الكردي على الرغم من خلافهما الستراتيجي والآيدلوجي، بل أن بينهما ما صنع الحداد كما يقال.

لذلك صار برنامج الكسب السياسي والانتخابي لهذه الاحزاب، يمر عبر بوابة العداء للعراق، وشتمه والتبرؤ منه، وصار هذا الموضوع بابًا واسعًا للمزيدات .

تاريخيًا يعود سبب خلاف رئيس الاتحاد الوطني الراحل جلال طالباني ووالد زوجته ابراهيم احمد مع الملا مصطفى برزاني زعيم البارتي انذاك، الى كون طالباني واحمد كانا يعيبان على الملا قبوله بالاتحاد مع العراق، او اقتناعه بان شمال العراق جزء من العراق !

ولعل سبب الانشقاق وتأسيس الاتحاد في العام ١٩٧٥ يعود الى هذا السبب، وقبل ثلاثين عاماً اطلق مام جلال مقولته الشهيرة : (كركوك قدس الكرد) !

بمعنى ان الاحزاب الكردية، كانت في غالبها احزابًا ديماغوجية، وذات نهج دعائي يرتكز على الدعوة للإنفصال، ويمر عبر تركيز مقولة ان العراق مُصطنع لدى المواطن الكردي، واقناعه ان العراق ذاهب الى زورال، فيما سيؤول مصير مكوناته الى التقسيم .

بعد هذه المقدمة الطويلة، نعود لنسأل: هل هناك قوى سياسية كردية الآن ليست انفصالية؟، وهل يمكن الرهان عليها، ثم هل تملك هذه القوى من التأثير شيئًا في حال وجدت ؟.

الجواب بطبيعة الحال سيكون : لا عريضة وصارخة للآسف.

فحتى القوى التي نشخصها معتدلة في الطرح والمواقف، لا تمتلك ان تواجه المد الشعبوي المعبأ بشحنة الكراهية للعراق، والذائب حد التلاشي مع حلم الدولة الكردية، حتى وان ادرك انها مجرد احلام عصافير، لكن اي المواطن، سيظل متمسكًا بها، وسيتمنى ان يصلها في أي لحظة، حتى وان كان بعدها فنائه.

فهل يصح ان نصنف بعد ذلك القوى الكردية الى صنفين؟

ابدًا، لكن التصنيف يصح، لو قلنا ان هناك قوى تبطن كراهيتها وازدرائها للعراق ورغبتها في الانفصال عنه لاسباب مصلحية، واخرى تظهر هذا كما يفعل حزب مسعود وانصاره في الاحزاب الاخرى.

فحتى مع تحفظات قادة الاتحاد الوطني على الاستفتاء، وتوقيته، الا انهم لم يقولوا انهم ضد المس بوحدة العراق، او انهم مستعدون للتنازل عنه في حال تعرضت مصلحة العراق للخطر، بل ان كوسرت رسول وهو رجل (عصابچي) معروف في الاقليم، يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد، كان الاشد تطرفًا حيث استقدم من السليمانية امس قوة قوامها ستة الاف رجل من البيشمرگة للقتال في كركوك، القتال بطبيعة الحال ضد الجيش العراقي. فعن اي قوى معتدلة يمكن ان نراهن، واي دور من الممكن ان ننتظر منها في المستقبل القريب.

ولعل من المفيد قوله هنا ان هذا التثقيف السياسي الطويل والممنهج ضد الوان الخارطة العراقية، والتراب العراقي، قد أنتج للأسف شعباً كردياً معادياً للوحدة العراقية، والهوية العراقية.

لقد نجحت القوى السياسية الكردية في إنتاج جيل كردي يفضل رفع علم اسرائيل على العلم العراقي، بل أن بعضه بات يرى في تمزيق العلم العراقي أمراً يدعو للفخر والتباهي !

علق هنا