بغداد- العراق اليوم:
يحاول البعض ان ينسى جرائم نظام صدام، وما كانت تفعله أجهزته الأمنية والمخابراتية، وما تمارسه من جرائم وانتهاكات بحق المواطن العراقي، بما في ذلك المواطن البسيط الذي لا ناقة له ولا جمل في الشأن السياسي، بل ان ثمة من يحاول اليوم المقارنة بين النظام الديمقراطي الجديد -رغم هناته- وبين نظام صدام الدموي، وسيكون الأمر أشد غرابة حين تكون المقارنة بين المخابرات الصدامية ومخابرات العراق الجديد، فالمقارنة هنا ليست غريبة فحسب، بل وغير عادلة بالمرة، لذلك سأتجنب الخوض في ثقافة واخلاقيات ووطنية جهاز المخابرات الوطني العراقي الجديد - رئاسة ومنتسبين - لأننا سبق وأن خضنا في هذا الموضوع من قبل، وذكرنا في (العراق اليوم) بالتفاصيل بعض القيم الديمقراطية والوطنية التي يحملها هذا الجهاز .
وسنتجه نحو ارث جهاز مخابرات صدام لننقل للقارئ الكريم بعضاً منه، وهو ارث موثق، ومدون رسمياً، وليس تأليفاً أو رأياً منا نعرضه .
واليوم نعرض من خلال قراءة سريعة لبعض وثائق المخابرات العراقية، لنكتشف كم كانت هذه المؤسسة مهووسة بمتابعة افراد مشتبه بهم، والبحث والسؤال في ابسط الأمور التي تتعلق بحياتهم وحياة زوجاتهم وأقاربهم حتى ان كانوا من العناصر العراقية الموجودة خارج البلاد.
كما تشمل الملاحقة والمتابعة للمدنيين، تفاصيل عن الدوريات المزيفة «اللباس المدني» التي تحرس الإحياء، وتتعرف على بعضها البعض باستخدام اشارات خاصة متفق عليها فقط لنقل اي تحرك مريب او سماع اي اشاعة تتناول اي جهة مسؤولة في البلاد.
فالاشاعة التي تبدو لعامة الناس امراً عادياً، تبدو من خلال الوثائق التي حصلنا عليها، بأنها «استراتيجية» قائمة بحد ذاتها في العمل المخابراتي. كما يوجد في هذه الوثائق جانب اساسي يهتم بمحاولة فهم واختراق المعارضة العراقية التي تنشط في الغرب وفي بعض دول الجوار من منطلق ما كتب تحت خانة «سري للغاية» حول «النيات العدوانية التآمرية ضد القطر».
و خشية التآمر بالنسبة للسلطات الامنية تكمن في امكانية اقبال بعض الجهات المعارضة على «شراء بعض الضباط في الجيش العراقي»، اذ تقول الوثيقة المؤرخة في 27 مايو (ايار) عام 2002 تحت عنوان «سري للغاية» ان عناصر ما يسمى بالمعارضة العراقية في الخارج تعمل على ضمان ومفاتحة قادة عسكريين وضباط للعمل على اسقاط النظام مقابل ابقائهم في اماكنهم ومسؤولياتهم (.. وسيبدأ العمل على ذلك من جنوب العراق وشماله ووسطه مع ضمان فتح حدود الدول المجاورة للعراق لعناصر المعارضة للعمل بحرية وبتنسيق مع ضباط وقادة الاولوية الذين تم التحرك عليهم).
واضافت حول اهمية اختراق هذه المعارضة لقوات الحرس الجمهوري قائلة (سيتم ايضا عملهم بمفاتحة قادة الحرس الجمهوري كونهم مفتاح كل نصر ).
وتعترف الوثيقة بامكانية حدوث ذلك، مشيرة الى الوضعية المادية الصعبة للعسكريين، وتقول «ان عمليات التجسس داخل القطر مستمرة خاصة بين العسكريين الذين يعانون من اوضاع سيئة من الناحية المادية والمعنوية وانهم سيساندون اية عملية ستستهدف النظام، كما انهم يعانون من عملية التمييز بينهم وبين اقرانهم من الحرس الجمهوري» مضيفة «ان دعوة الدولة للشباب لاداء خدمة الاحتياط بين فترة واخرى ولد الكره الشديد للحكومة خاصة في ظل الظرف الاقتصادي الحالي».
والمثير ان هذه الوثيقة الموقعة برمز «ء.م.ع.م» لمدير جهاز الامن تخلص الى القول بان «الضربة الاميركية على القطر قائمة واحتمالات تأجيلها غير حقيقية، خاصة ان اغلب الدول العربية وافقت سراً على ضرب العراق، كون الدوائر الغربية تخشى من المثلث العراقي ـ السوري ـ الايراني، وخاصة ان العراق هو الذي يدعّم عوائل الاستشهاديين الفلسطينيين».
وابدى متسلم هذه الوثيقة تحفظاته عليها قبل ان يحولها الى مدير المخابرات، اذ كتب عليها «هذه المعلومات قديمة واستحداثها الآن هو لإرباك العمل».
ولاحظت ان نسبة 90% من المراسلات كانت مكتوبة بخط اليد والبقية بالآلات الكاتبة.
ومن بين الوثائق، مصنفات تدقق في اي صغيرة وكبيرة تخص بعض المدنيين الذين لا تأتي احيانا اسماؤهم بوضوح كما هو حال مستقبليها في الجهاز الامني، اذ يكثر استخدام الشيفرات والرموز، حيث جرى تسجيل لمكالمة هاتفية بين عراقيين لم ترد اسماء المعنيين بها، لكنها مع ذلك ادرجت الوثيقة ضمن ملف «سري للغاية وشخصي» موجهة الى «السيد م. م. ع. المحترم» (معاون المدير العام) بتاريخ 20 يوليو (تموز) عام 2002 العدد 11161. واترك للقارئ ان يرى ان كان العمل المخابراتي الذي يتوقعه اي منا، ان يركز على مكالمة هاتفية باللهجة المحلية، لا يبدو من خلال قراءتها انها تهدد امن وسلامة العراق كي يوقع على استقبال نسخة منها نحو ثلاثة مسؤولين على ثلاثة اقسام مختلفة داخل الجهاز.
وقالت الوثيقة: م/ مكالمة طيّ مكالمة هاتفية مسموعة من طرفين باللهجة العراقية وردت على منظومة الاقمار الصناعية. التفضل بالاطلاع مع التقدير.
ـ .... ها شنو؟
* هو مسجل بالمدرسة في جيش القدس.
ـ اي، وبعدين؟
* ها هيّ، سجل بعد.
ـ شنو، دوروا عليه؟
* لا ما جايين، بس كالوا لي يعني.
ـ ها؟
* حملة، حملة.
ـ اي، عادي. خلي يجي يشارك، شكو بيها. والله يالله يجي يشارك وغصبن عليه.
* اي، يكولون خلي يجي للمدرسة يراجع.
ـ يالله، اول ما يجي يراجع ويروح يداوم، شكو بيها؟
* الجهال (الاطفال) زينين؟
ـ كلهم زينين. اي. اي. غصبن عليه. اي هسا رجع الخط.
* .... خالي (فاضل) هم راح بالأربعة تقريبا.
ـ اكللك، شوكت اجوّي عليه؟
* ما اجوا، بس يجي كالوا لي يجي، لا، لا.
ـ ما أفتهم كل شي، لانه.... ثقيل.
* ها...
ـ اي الحمد لله والشكر، يالله، اكللك، اذا شفته الاستاذ (عادل)
* اي، اي.
ـ كلليله يابه... ويّه ابويه، بس يجي يداوم. زين سلّمينه.
* شلونهم همّه، زينين؟
ـ كلهم زينين. يالله، في امان الله.
* ديالله، غير وقت، في أمان الله.
والشيء الوحيد الذي يمكن ان يكون قد استقطب اهتمام رجل المخابرات الذي قام بتسجيل هذه المكالمة هو اشارة المتحدث الى (جيش القدس)، الذي اسسه الرئيس المقبور صدام حسين لدى انطلاق الانتفاضة واصبح يجوب شوارع بغداد، بحيث بات كل مواطن عراقي مجبراً على الانضمام اليه، وتقليص ساعات عمله للذهاب الى التدريب، والا فإن ملفه لدى المخابرات سوف يحمل علامة «مواطن غير صالح» والله بعدها المعين.
ونعود لمن يعقد المقارنة بين جهاز مخابرات صدام القمعي، وجهاز المخابرات الوطني الحالي، فنطرحزعليه السؤال التالي: ايمكن المقارنة بين هذا وذاك سيدي الكريم؟!
*
اضافة التعليق