بغداد- العراق اليوم: لو كان بيكاسو أو سلفادور دالي ملكا اللون السريالي في الصورة الفنية التاريخية، لتعجبا من سريالية الصورة المتداولة في تشييع الرئيس (العراقي) الراحل جلال الطالباني، فالمشهد تلفه الدهشة والغرابة، وهل هناك اقوى من هذا الذي جاء به القادة الاكراد اليوم، وهم يشيعون جنازة رئيس (العراق) ؟! هل هناك مثال ادق على مدى سيطرة العناد والجهل على أدمغة القادة الذين اصروا على لف الرئيس العراقي بالعلم الكردستاني بدلاً من العلم الوطني العراقي الكبير، وعلى عدم فهمهم لمنطق الخصومة السياسية او منطق التعبير عن الذات في اطار سياسي؟. هل ثمة دليل اخر عن انحسار الضفة الى ابعد مدى امام منظمي الاستفتاء، والى الحد الذي اجبرهم على الابحار في لجة الخطر اكثر مما ينبغي، للقول نحن لا نزال هناك على موقفنا!. للأسف لقد تهشمت صورة العقلانية والبرغماتية الكردية التي رسمتها سنوات طوال من الضخ الاعلامي، والتسخير لوسائل الاقناع الناعمة التي حاولت القوى الكردية ترسيخها لدى العالم، فظهرت الصورة بأغرب ما يمكن للعنجهية، وقلة الحكمة، والتعصب، والهروب الى الامام. فما ارادته القيادة السياسية الكردية العالقة في وحل الاستفتاء من وراء ارتكاب مخالفة بروتوكولية وقانونية شنيعة كتلك التي مست ذات رئاسة جمهورية العراق المُحصنة بقوة الشعب، كان رسالة أوضح عن مدى افتقار هذه النخبة الى ادوات فعالة على الارض تواجه بها بغداد التي حاولت، بل وجدت من واجبها ان تحترم مقامات الدولة، وان تحفظ لرئيس جمهورية استمر بالحكم لتسع سنوات بارادة شعبية، هيبته عبر تنظيم جنازة رسمية، وان يعزف لهذا الراحل السلام الوطني وتنكس اعلام العراق حدادًا على وفاته. كانت بغداد بأقصى درجات حكمتها اليوم، وكانت السليمانية بأقصى درجات تهورها وغبائها السياسي الذي لم تعهده، وهي ترسم صورة بائسة، وتضع لمسات مفجعة لنهاية رجل مناضل، تفوق على احلامه القومية، وتجاوز عقد الماضي، وانطلق في مركب شراكة انسانية تتجاوز المحدد الضيق الى فضاء وطني رحب. هل هذا هو وفاء هيرو وكوسرت وغيرهما من قادة الاتحاد لزعيمهم التاريخي، وهل يليق برجل مثل جلال ان يتحول جثمانه الى مجرد ورقة يحرج بها مسعود المتشفي، بغداد بعدم اظهار الاحترام الوطني اللائق لها. كيف رضي قادة وكوادر الاتحاد وجماهيره ومحبي مام جلال ان يتحول تشييعه الى مجرد استعراض غبي لطموح مغرور، ومشروع مقامر، هل من الصحيح والمنطقي ان يقزم الطالباني الى هذا الحد، ويمنع عنه التشييع الذي يليق برئيس جمهورية مثل العراق. كيف رضيت يا رئيس الجمهورية وحامي الدستور ان يُهان سلفك هذه الاهانة، ومن قبل من ؟ من قبلكم انتم حين تصرفتم بجثمان الراحل كملك شخصي لعائلة ما او جماعة ما، كيف سمحت لنفسك ان تظهر في مراسم مهينة مثل هذه ولا تعترض، او تنسحب! اما انت يا مسعود فقد نجحت وفعلتها، وانتقمت من غريمك في اشد لحظاته ضعفًا، وارغمت ورثته ومدعي الثبات على نهجه على ان يحولوا مراسيم مواراته الى صورة سيريالية تنط منها رموز اللا معقول وتطفح بالكثير من دلالات اللا عقلانية، وهي لا تشبه بأي حال ما اراده الراحل، ولكن ماذا نقول للقدر، ويده التي طالت من طالت وابقت من ابقت !
*
اضافة التعليق