بغداد- العراق اليوم: بالرغم من مشواره الطويل في النضال من أجل القضية الكردية، وكونه أحد أهم وأبرز السياسيين الكرد خلال الأعوام الـ 100 الأخيرة، فإن جلال الطالباني، الذي وصل إلى سدة الحكم في العراق، لم يشارك في أهم مرحلة شهدها الكرد؛ وتمثّلت بموقفه من التصويت للانفصال عن بغداد، في طريق إعلان دولة كردية مستقلّة، قبل أن تُعلن وفاته، الثلاثاء 3 أكتوبر 2017. كان المرض الذي أزّم صحة الطالباني منذ 2014، أبعده عن المشهد السياسي في العراق، الذي كان -لسنين طويلة- أحد أبرز وجوهه، وهو ما غيّبه أيضاً عن الاجتماعات الكردية المغلقة التي بحثت خطوة الاستفتاء على الانفصال، وما تزال تُعقد للاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها في مرحلة ما بعد الاستفتاء، لا سيما أن الإقليم الكردي يواجه رفضاً إقليمياً وعالمياً حول الانفصال. وكان إقليم كردستان العراق أجرى، في 25 سبتمبر الماضي، استفتاءً في مدن الإقليم الثلاث؛ أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق متنازع على عائديتها بين بغداد والإقليم الكردي، تقع في محافظات الموصل وصلاح الدين وكركوك (شمال) وديالى (شرق). لكن الاستفتاء لقي رفضاً رسمياً وشعبياً من قبل العراق، إضافة إلى رفض إقليمي من الدول المجاورة للإقليم؛ إيران وتركيا وسوريا، فضلاً عن رفض دولي واسع. وأنتج الاستفتاء أزمة سياسية بين بغداد والإقليم الكردي، الذي يرأسه مسعود البارزاني، ففي حين يطالب الإقليم الكردي بحوار مع الحكومة، ترفض الأخيرة إجراء أي حوار إلا بعد إلغاء نتائج الاستفتاء، التي كشفت عن تأييد الكرد للانفصال بنسبة 92.73%. وبدا بشكل جليّ الفراغ الذي خلّفه الطالباني في الأزمة الأخيرة بين بغداد والإقليم، لا سيما أن بغداد أطلقت على الطالباني، في وقت سابق، وصف "صمام الأمان"؛ للدور الذي أداه في إخماد عدد من المشاكل الداخلية التي كانت الأحزاب أطرافاً فيها، ما جعله يحظى باحترام مختلف الجهات السياسية في الحكم. ومما يؤكد حظوته بمكانة مرموقة وقبول واسع بين الأطراف السياسية في البلاد، انتخابه لدورتين رئيساً لجمهورية العراق؛ من 2005 إلى 2010، وبهذا يعتبر الطالباني أول عراقي من أصل كردي يتولى رئاسة البلاد. وعُرف عن الطالباني كونه سياسياً مثقفاً يتّصف بالفطنة، ويتبنّى القضية الكردية، ومُعتَقِداً بالوطن القومي للكرد، وساعياً لإقامته.
- ولادته ونشأته
وُلد جلال الطالباني في 12 نوفمبر 1933، في قرية كلكان، على سفح جبل كوسرت، المطلّة على بحيرة دوكان في محافظة السليمانية شمالي العراق، ويُعرف في صفوف الأكراد باسم مام جلال (العم جلال)، وقد أُطلقت عليه هذه التسمية منذ أن كان صغيراً. دخل كلية الحقوق في بغداد عام 1953، لكنه اضطرّ لترك الدراسة حينما كان في السنة الرابعة، عام 1956؛ هرباً من الاعتقال بسبب نشاطه في اتحاد الطلبة الكردستاني.
وفي يوليو 1958، وعقب الإطاحة بالملكية الهاشمية، عاد الطالباني إلى كلية الحقوق، وتابع -في الوقت نفسه- عمله صحفياً ومحرراً لمجلتي خابات وكردستان.
بعد تخرجه عام 1959، استُدعي لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش العراقي، حيث خدم في وحدتي المدفعية والمدرعات وقائداً لوحدة دبابات
- الحياة السياسية
أصبح الطالباني عضواً في الحزب الديمقراطي الكردي عام 1947، وتميّز بنشاطه وكفاءته في أداء الواجبات والمهمات الحزبية التي كان مكلّفاً بها، وعندما اندلع التمرّد الكردي ضد حكومة الرئيس عبد الكريم قاسم، في سبتمبر 1961، كان الطالباني مسؤولاً عن جبهتي القتال في كركوك والسليمانية.
وفي منتصف الستينيات، تولى عدداً من المهام الدبلوماسية، التي مثّل فيها القيادة الكردية في اجتماعات في أوروبا والشرق الأوسط. عندما انشقّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، عام 1964، كان الطالباني عضواً في مجموعة المكتب السياسي التي انفصلت عن قيادة الملا مصطفى البارزاني. وأدى انهيار الثورة الكردية، في مارس 1975، إلى أزمة كبيرة لأكراد العراق، وإيماناً منه بأن الوقت مناسب لإعطاء توجيه جديد للمقاومة الكردية والمجتمع الكردي، أسس الطالباني مع مجموعة من المفكرين والنشطاء الأكراد الاتحاد الوطني الكردستاني. في عام 1976، بدأ تنظيم المعارضة المسلّحة داخل العراق، وخلال الثمانينيات قاد المعارضة الكردية للحكومة العراقية من قواعد داخل العراق، إلى أن شنّ صدام حسين حملته العسكرية المسماة بـ "الأنفال" لسحق هذه المعارضة، في 1988. بعد ذلك سعى الطالباني إلى إيجاد تسوية تفاوضية للتغلّب على المشاكل التي اجتاحت الحكومة الكردية، بالإضافة إلى القضية الكبرى؛ وهي حقوق الأكراد في محيط المنطقة الحالية. استفاد الطالباني، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، من خسارة الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية، عام 1991؛ بإقامة إقليم كردي شبه مستقل في كردستان العراق. وبدأت حقبة جديدة في حياة الطالباني السياسية بعد حرب الخليج الثانية وانتفاضة الأكراد في الشمال ضد الحكومة العراقية.
ومهّد إعلان التحالف الغربي عن منطقة حظر الطيران، عام 1991 (شكلّت ملاذاً للأكراد)، لبداية تقارب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال طالباني.
ونُظمت انتخابات في إقليم كردستان، وتشكّلت عام 1992 إدارة مشتركة للحزبين، غير أن التوتّر بين أقوى فصيلين سياسيين في كردستان أدى إلى مواجهة عسكرية بينهما عام 1996. وبعد جهود أمريكية حثيثة وتدخّل بريطاني، ونتيجة اجتماعات عديدة بين وفود من الحزبين، وقّع البارزاني والطالباني اتفاقية سلام في واشنطن، عام 1998. وبعد تحرير العراق، في مارس 2003، دخل الطالباني والبارزاني العملية السياسية في العراق، وشغلا مواقع قيادية بارزة، تعزّزت على أثر فوز تحالفهما الكردستاني بالمرتبة الثانية، بعد الائتلاف الشيعي في انتخابات 2005، حيث شغل الطالباني منصب رئيس العراق. وانتخب البرلمان العراقي، في نوفمبر 2010، الطالباني (وهو مرشح ائتلاف الكتل الكردستانية) رئيساً للبلاد في ولاية ثانية، بعد حصوله على غالبية الأصوات. ويعاني الطالباني منذ سنوات من مشاكل صحية، حيث أُدخل إلى مدينة الحسين الطبية في الأردن، في 25 فبراير2007، بعد وعكة صحية أصابته، وأجريت له عملية جراحية للقلب في الولايات المتحدة، في أغسطس 2008. وفي نهاية عام 2012، غادر العراق للعلاج في ألمانيا من جلطة أُصيب بها، ودخل على أثرها في غيبوبة، ومكث هناك نحو عام ونصف، حتى عاد للعراق في يوليو 2014.
خلفه فؤاد معصوم، الذي انتخبه البرلمان يوم 24 يوليو 2014 رئيساً لجمهورية العراق، بـ 211 صوتاً من أصل 275.
*
اضافة التعليق