متابعة العراق اليوم - بغداد
نص المذكرة:
مذكرة الحزب الشيوعي العراقي بشأن استفتاء اقليم كردستان
السيد فؤاد معصوم، رئيس الجمهورية المحترم
السيد سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب المحترم
السيد حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
السيد فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء المحترم
السيد مسعود البرزاني، رئيس اقليم كردستان المحترم
تحية طيبة
نتابع باهتمام وقلق بالغين التطورات الجارية في بلادنا، خاصة ما يتعلق بموضوع الاستفتاء في اقليم كردستان وتداعياته، ومواقف القوى الوطنية والإقليمية والدولية المختلفة منها.
وتأتي هذه التطورات في وقت ما زال الجميع فيه يواجهون المهمة الوطنية الكبيرة، المتمثلة في مواصلة المعركة ضد داعش الإرهابي وتحرير آخر ما تبقى بيده من أراضي بلادنا وتخليص أبناء شعبنا من شروره، والمباشرة بالمهمة الأخرى التي لا تقل أهمية لإعادة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم ومدنهم، وإطلاق حملة إعمار وبناء ما تعرض فيها للتخريب والتدمير، وتأمين سلامة المناطق المحررة وأمنها والسير قدما، بحزمة إجراءات متكاملة، لتجفيف منابع الإٍرهاب.
ويواجه بلدنا في الوقت عينه صعوبات وإشكالات عدة، ناجمة أساسا عن المنهج المعتمد في إدارة الدولة والسياسات المطبقة في المجالات المختلفة.
وبسبب هذه الصعوبات وتداعياتها تشتد معاناة المواطن العراقي بجوانبها المتعددة، فيما هو يتطلع بشدة إلى أن تكرس الجهود والطاقات الوطنية بعد دحر داعش، لمعالجة الواقع القائم المأزوم، والانتقال إلى فضاءات الأمن والاستقرار، وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة اللائقة. ومن هنا جاءت المطالبات الشعبية الواسعة بإجراء الإصلاح والتغيير في منهج الحكم والإدارة وأسلوبهما، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مغايرة للمحاصصة الطائفية والإثنية، وباعتماد المواطنة والنزاهة والكفاءة أساسا في إسناد الوظيفة العامة.
ولعل من بين أهم الأزمات المتعددة الماثلة، أزمة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، التي تفاقمت كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن ظلت على مدى الأربع عشرة سنة الماضية مثقلة بعناصر اشتدادها وتأزمها، ولم يبذل من الجهد ما يكفي لمعالجة ملفاتها العالقة. بل وحدث العكس، حيث اتخذت مواقف وخطوات من جانب الأطراف جميعا، أسهمت في صب الزيت على النار المستعرة. فالمسؤولية هنا مشتركة، والجميع من القوى صاحبة القرار يتحملونها بهذه الدرجة أو تلك، ولكن المسؤولية الأولى تقع بالطبع على عاتق من يمتلك القرار بحكم موقعه الدستوري.
ولقد ساهم في تأزيم العلاقة بين الجانبين كذلك عدم توفر الإرادة السياسية الجادة لتنفيذ المادة 140 من الدستور وحل قضايا المناطق المتنازع عليها.
وتطورت هذه العلاقة المتأزمة لتبلغ نقاطا حرجة غداة إعلان قيادة الإقليم المضي قدما في إجراء الاستفتاء يوم 25 أيلول الجاري، وانه سيشمل مناطق خارج سلطة حكومة الإقليم. وقد أثار هذا ردود فعل قوية وأطلق سجالات متبادلة داخليا وخارجيا، وشجّع دولا وأوساطا خارجية على دس أنوفها في قضايانا الوطنية.
وفيما يخص موضوع الاستفتاء نقول:
1. نحن في الحزب الشيوعي العراقي نقر بحق تقرير المصير لجميع الشعوب صغيرها وكبيرها، وبحقها في أن تعبر عن إرادتها الحرة بما في ذلك تشكيل الدولة الوطنية. وهو الحق الذي تعاملنا ونتعامل معه دائما وفق ظروف بلدنا الملموسة، وآخرها تبني الفيدرالية.
2. وبموجب هذا دعمنا صيغة الفيدرالية التي تم تبنيها في الدستور العراقي، وهي صيغة متقدمة للحكم والإدارة في دولة متعددة التكوينات. ومما يؤسف له أن صيغة الفيدرالية هذه لم تستنفد بعد إمكاناتها كافة، ولم يُستكمل بناء الدولة الاتحادية (الفيدرالية) الديمقراطية، ولم تسعَ الأطراف المختلفة التي امتلكت ناصية القرار في الدولة إلى توفير مستلزمات استكمال بنائها، بما يؤمّن الشراكة والمشاركة قولا وفعلا لسائر أطياف شعبنا، ولأبناء كردستان وللإقليم على وجه الخصوص، في إدارة وتقرير شؤون البلاد على أسس المواطنة، وبما يعزز خيارهم في الإتحاد الطوعي في إطار العراق الديمقراطي الاتحادي.
3. في رأينا أن إعادة تشكيل الدولة الاتحادية مثلما يحدد بناءها الدستور العراقي لعام 2005، أمر لا يصح أن ينفرد به طرف معين. ومع الإقرار بحق هذه المنطقة أو ذاك الإقليم في إجراء استفتاء لاستطلاع آراء مواطنيه والتعرف عليها، تبقى العبرة في كيفية التعامل مع النتائج وتنفيذ ما يترتب عليها، وهي التي تخص الدولة الاتحادية (الفيدرالية) بمجملها.
4. ارتباطا بأوضاع البلد الملموسة المؤشرة أعلاه وبالتحديات الماثلة، وانطلاقا من مصلحة الجميع بمن فيهم بل وفي مقدمتهم شعب كردستان، نقدر أن الاستفتاء لم يأتِ في ظروف مناسبة، ولم تسبقه التهيئة الواجبة والضرورية قبل الأقدام على خطوة كهذه، وهي كبيرة من دون شك. وبإيجاز نقول، وبغض النظر عن دوافع الأطراف المختلفة، انه يبقى حقا جاء السعي لتنفيذه في غير وقته.
5. في هذا السياق نرى أن المناطق المتنازع عليها تبقى ضمن التوصيف الوارد في الدستور في شأنها، وما زالت تخضع للمادة 140 وتنتظر الحل.
6. ان من الخطأ الجسيم وغير المبرر بأي شكل من الأشكال، أن يجري اللجوء إلى المواقف المتشنجة وتصعيد روحية العداء بين الشعبين العربي والكردي، وتوتير الأجواء وإطلاق التهديدات المتقابلة، والتلويح باللجوء إلى العنف والعمل العسكري لحل قضايا مثل التي نحن بصددها، الأمر الذي يفاقم الأوضاع وخطورتها، ويشجع مختلف الأطراف الخارجية على التدخل في شؤون بلدنا الداخلية، ويوفر الفرص لقوى الارهاب ايضا وللمجموعات غير المنضبطة لتنفيذ مشاريعها المزعزعة للأمن والاستقرار.
7. ان وحدة البلاد، في رأينا، لا يمكن ان تقوم الا على قناعة ورضا اطرافها جميعا، بعيدا عن الاجبار والالحاق القسري، وبما يضمن الحقوق المتساوية للجميع.
واليوم، وإذ يقترب الموعد المحدد للاستفتاء ولما يتم التوصل إلى حل مرض للازمة، ويتصاعد التوتر ويزداد التشنج في المواقف حتى باتت تصدر تهديدات من أطراف داخلية وخارجية، من شأنها خلق أوضاع خطيرة قد يصعب التحكم في مآلاتها وتجنب الانزلاق إلى مسارات يمكن أن تعرض العراق عموما، وإقليم كردستان وأهله ومنجزاته إلى مخاطر جدية، نرى ضرورة بذل جهد استثنائي ومكثف من جانب كل من الحكومة الاتحادية والإقليم، لضمان توصل اللقاءات التي من المؤمل أن تجري في الأيام القادمة بين الجانبين، إلى نتائج إيجابية تنزع فتيل الأزمة وتمهد الطريق لإيجاد حلول جذرية للقضايا العالقة، ضمن مواعيد وجداول زمنية وضمانات متبادلة متفق عليها، تعيد بناء الثقة بين الجانبين وتضمن استمرار المسيرة المشتركة، لمواجهة التحديات الكبيرة القائمة أمام الإقليم وأمام بلدنا ككل، وتتضمن التباحث حول مراجعة وتطوير العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية.
وبناء على ذلك فإننا نرحب بكافة المبادرات التي أطلقت لمعالجة هذا الموضوع الحساس، ومنها مبادرة السيد رئيس الجمهورية، وننطلق في ذلك من تحبيذنا على الدوام اعتماد الجهود الوطنية، كأساس في معالجة ما يخص بلدنا وحل ما يواجهه من صعوبات وإشكالات وأزمات.
إن الحوار الجاد والمسؤول، والحرص على معالجة الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وفقا لجداول زمنية متفق عليها، وبما يطّمن حقوق أبناء شعبنا الكردي المشروعة، هو في رأينا الطريق الناجع لتجنيب شعبنا العراقي بأطيافه كافة وبلدنا العزيز تداعيات الأزمة الراهنة الخطيرة، انطلاقا من روح المواطنة والشراكة الحقة.
ويتوجب علينا هنا تأكيد رفضنا المطلق في جميع الأحوال، للجوء اي جهة او طرف الى السلاح أو التهديد به. فنحن لا نرى بديلا عن الحوار، سواء جرت إعادة النظر في موضوع الاستفتاء وتوقيته، وهو ما نأمل أن يتم في الظرف الملموس القائم، أو جرى المضي فيه. كما نشدد على رفضنا المطلق لتدخلات دول الإقليم وغيرها في الشأن الداخلي العراقي، لا سيما العسكرية منها، أو استعانة أي طرف عراقي بها في هذه اللحظات الحساسة التي يمر بها وطننا العزيز.
اننا على يقين من أن هذه الأزمة يمكن حلها بالحوار الوطني وفي اطار الدستور، وعبر إشراك القوى ذات المصلحة الحقيقية في بناء عراق آمن ومستقر وسائر على طريق التقدم والرقي. وهذا يتطلب توفر الإرادة السياسية والانطلاق من المصالح العليا للشعب والوطن، وان توضع في الاعتبار كافة الظروف المحيطة والمؤثرة في الظرف الراهن.
وعلينا كذلك إن ندرك أن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة، ما لم يتم التوجه الجاد نحو معالجة أزمة الحكم أساسا، القائم على المحاصصة الطائفية - الاثنية، ونبذ المنهج المتبع الذي لم يوفر، كما بينت التجربة الماضية، ضمانات وإمكانات الحؤول دون تكاثر الأزمات. فهو منهج ولّاد لها ولا يعالج عواقبها، ولا يوفر الضمانات الكافية لطمأنة مصالح جميع أطياف شعبنا، وان بديله هو بناء دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية.
لنعمل جميعا، وبروح وطنية عالية، على تجنيب بلادنا الوقوع في منزلقات خطيرة، يخسر فيها الكل ولا يربح إلاّ أعداء شعبنا.
المكتب السياسي
للحزب الشيوعي العراقي
20 أيلول 2017
- نسخة منه الى الاحزاب والقوى السياسية العراقية كافة.
*
اضافة التعليق