متابعة- العراق اليوم: المصدر War on the roccks حين تم القضاء على آخر جيوب تنظيم داعش في غرب الموصل، كانت كتيبة الكوماندوس السادسة والثلاثين ضربت ضرباتها الاخيرة في رئة التنظيم الارهابي. الكتيبة السادسة والثلاثون، اولى الوحدات الخاصة للقوات العراقية التي تم تشكيلها بعد سقوط نظام صدام حسين، واليوم هي اهم عنصر خدمة في دائرة جهاز مكافحة الارهاب، وهي قوة تضم اقل من 8000 مقاتل من النخبة تم تدريبهم في الولايات المتحدة، فباتت اقوى وحدة عسكرية عراقية يمكن الاعتماد عليها ووضعها تحت تصرف الدولة العراقية. الجيش العراقي والشرطة الاتحادية، استعادا بعض الثقة إثر تقهقرهما في حزيران من العام 2014، وحين سقطت الموصل اضافة الى عشرين قرية اخرى بيد تنظيم داعش، ظلت القوة الذهبية تحتفظ بثقة العراقيين طوال خوضها المعارك. تحتل الفرقة الذهبية وهي تشكيل من جهاز مكافحة الارهاب ثقة العراقيين، لانها وبحسب كثيرين، نموذج للنزعة الوطنية المتعددة للاثنيات والطوائف. الى جانب ذلك، هناك فصائل الحشد الشعبي التي اثبتت قدرتها بالمعارك الدائرة بعد تشكيلها وفق فتوى اصدرها المرجع الديني الأعلى في العراق إثر ظهور تنظيم داعش الذي بات مهددا لوحدة العراق حين استغل نقاط الضعف في الجيش العراقي. تطوير هاتين القوتين شكلا على الارجح مستقبل العراق، وستحتاج بغداد الى قوات فعالة كمكافحة الارهاب التي تدعمها قدرات استخبارية واضحة لا تقل تقدماً عن تلك القدرات المتاحة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش. الحكومة العراقية حالها حال الحكومات الاخرى، تحتاج لقوات موالية تحت سيطرتها الكاملة، ومكافحة الارهاب حققت ذلك بنجاح حين ارتبط مصيرها بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية. عقب الانتهاء من تحرير مدينة الموصل، استنفدت دائرة مكافحة الارهاب افضل مقاتليها وهو ما تسبب بخسارتها بنسبة 40 في المائة، بحسب التقديرات الامريكية. وخلال المعارك في الموصل قدم جهاز مكافحة الارهاب دروساً كبيرة تعلمها منذ اليوم الأول للتدريب في الخدمة العسكرية وتطبيقها على أرض الواقع. لماذا نجح جهاز مكافحة الارهاب؟
تقهقر ثلث قدرات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية في حزيران من العام 2014 امام استمرار جهاز مكافحة الارهاب في شن هجوم مضاد بتكريت وبيجي والرمادي مما شكّل ظاهرة فريدة من نوعها في المنطقة. وواصل هذا الجهاز المدرب تدريباً عالياً القتال لتصحيح اساسي لمفهوم القوة والعسكر والتجنيد والقيادة والتدريب. ما هي تلك العوامل التي جعلت هذا الجهاز اكثر قوة وخدمة في ظل بقاء القوات الامنية الأخرى هشة؟. الحجم عامل محدد ومهم، فقد ظلت دائرة مكافحة الارهاب صغيرة ولم يتجاوز عددها 12 الف فرد، وبالمقارنة مع اعداد الجيش العراقي وهي قوة قتالية قوامها 151 الف جندي واكثر من 82 الف جندي في الشرطة الاتحادية، فان اعداد مكافحة الارهاب لا تساوي شيئاً امام هذه الاعداد الهائلة. صغر عدد المقاتلين في صفوف جهاز مكافحة الارهاب والاختيار والتدريب مكنا الجهاز من استخدام معايير صارمة مماثلة لتلك المعايير المتبعة في تجنيد قوات العمليات الخاصة الامريكية. وفي احدى الاختبارات في آيار من العام 2008، لم يتمكن سوى 401 من التخرج من صفوف جهاز مكافحة الارهاب ليصل العدد الكلي الى 2200 مقاتل في صفوف هذا الجهاز في تلك السنة. وسمح صغر حجم هذه المؤسسة بتلقي مقاتليها رواتب افضل بكثير وظروف معيشية ومعدات عراقية جيدة، فالجهاز اعدّ جندياًعسكرياً نموذجياً ومجهزاً بشكل مماثل تقريباً لقوات الخاصة الامريكية. آذ قامت رئاسة مكافحة الارهاب بتطوير نخبة من القوات المسلحة والاحتفاظ بالقوى العاملة الماهرة بدليل حفاظها على افضل ضباط الجيش العراقي. الجانب غير المدهش قياساً بتقليدها العسكرية، عرضت انضباطاً وتفوقاً على وحدات عراقية كانت ومازالت تعاني من الفساد. الولايات المتحدة مرتاحة من تشكيل هذا الجهاز النادر بدليل تقاسمها المعلومات الاستخبارية الحساسة معه. لقد تجاوز جهاز مكافحة الارهاب الطائفية، وركز في قاموسه على الاحتراف والولاء للعراق الذي لايزال لا مثيل له داخل القوات العراقية الاخرى. فرادة القوات الخاصة العراقية من نوعها وضعت دائرة مكافحة الارهاب بكادر قوي من الضباط الصارمين. في ميدان المعركة اضطلعت دائرة مكافحة الارهاب بعمليات على نطاق واسع منذ ما يقرب من سبع سنوات، محافظةً تلك القوة على وتيرتها التشغيلية الشاقة والمستمرة التي لا مثيل لها بأي قوة خاصة في المنطقة العربية. استحدثت هذه القوة المخابرات ، والقضاء داخل محكمة تعمل على ادارة شؤون منتسبيها في حال خرق احدهم القوانين الصارمة، لذلك نجحت في اجراء عمليات متعددة لازالة خلايا المتمردين ليلاً، وقامت بتشغيل طائرات المسيّرة والعمودية، مندمجةً بالسرعة والذكاء اللذين دفعا الجهاز الى تحقيق انتصارات سريعة. بحلول وقت انسحاب القوات الامريكية في عام 2011، تطورت مكافحة الارهاب الى آلة دقيقة من العمل، وتعززت سمعتها الطيبة بأعتبارها واحدة من ارقى قوات العمليات الخاصة في الشرق الاوسط.
خيارات البناء
دائرة مكافحة الارهاب خاضت خلال المعارك في السنوات الثلاث الماضية معارك تقليدية عديدة، قوة مشاة، وحرب مدن، واستعادة السيطرة على مصفى بيجي المحاط خلفياً بخطوط داعش القوية. في عام 2015، سيطر جهاز مكافحة الارهاب على المناطق الحضرية، تكريت والرمادي، وتلاهما الفلوجة والموصل في العام التالي. فقد الجهاز ضباط ومقاتلين مخضرمين عاماً تلو الآخر، مما دفع الولايات المتحدة الى القول، ان هذا الجهاز فقد قوته بنسبة 40 في المائة. فعلى سبيل المثال، ذهبت سرية مكونة من 350 فرداً في بداية معركة الموصل، لتعود الى مقرها في النجف بأقل من 150 جندياً في 90 يوماً فقط. لذا يتعين اليوم إعادة بناء قاعدة لموظفي دائرة مكافحة الارهاب وقدراتها المتخصصة، وهناك نوعان من النماذج الاساسية لتجديد القوة يتمثل احداهما في تقليص مكافحة الارهاب الى دائرة تركز على الحروب التقليدية، ويمكن بهذا الحال إلغاء وظائف المشاة الخفيفة الحالية من الخدمة حالما يتراجع تنظيم داعش عن الاراضي العراقية المتبقية في مدن الحويجة والقائم. طالب شغاتي، رئيس جهاز مكافحة الارهاب بالعراق لمّح الى هذا الشيء حين اشار الى ان امكانية عودة النموذج القديم وما كان عليه الجهاز قبل عام 2014. في حال إقرار هذا القانون، سيتم تعزيز قوائم الكتائب الثماني عشرة التابعة للجهاز باربع كتائب استطلاع والعديد من الوحدات اللوجستية والاستخبارية. وهناك نموذج بديل يقدم نظرة اكثر توسعية لما يمكن ان تصبحه دائرة مكافحة الارهاب، وبموجب هذا التوسع يمكن توسيع الفرقة الذهبية. بالاضافة الى المهام الاساسية لمكافحة الارهاب، ويمكن ان تواصل تشغيل قوات المشاة القادرة على شن هجمات تقليدية في مواقع محصّنة لدى تنظيم داعش. ويعود هذا النموذج الى تقليد امريكي، حيث تكون القوات الخاصة مشاة تقوم بمهام اثناء الاشتباكات العسكرية التقليدية. وكان هذا الاسلوب مستخدم في عند القوات الخاصة العراقية ابان حربها مع ايران. نظرت حكومة المالكي في عام 2012 الى توسيع نطاق الخدمة لدى جهاز مكافحة الارهاب من خلال محاولة رئيس الوزراء السابق ضم اكثر من 30 الف جندي بمركبات قتالية مدرعة قادرة على الاشتباك مع ارهابيين او ميليشيات او وحدات عسكرية متمردة. هذا القرار تمثل بأن القوة الاكبر في البلاد قد تعمل مباشرة تحت سيطرة رئيس الوزراء، وفي ذلك الوقت، لم تكن دائرة مكافحة الارهاب مكرسة ضمن قانون، ولم تكن مسؤولة امام مجلس الوزراء والبرلمان. النجاحات الاخيرة في ميدان المعركة على مدى السنوات الثلاث الماضية، من المحتمل ان تدفع اعادة النظر داخل الحكومة على توسيع هذا الجهاز. في المقابل، ستبقى الثقة الشعبية بالجيش العراقي والشرطة الاتحادية منخفضة حين يتعلق الامر بمهمة عسكرية شاقة، لكن حين يتم سماع جهاز مكافحة الارهاب يتنفس الجميع الصعداء. وزارة الدفاع الامريكية ناقشت حين استلمت ميزانيتها لعام 2018، على ان تقوم دائرة مكافحة الارهاب ببناء قوتها غير الطائفية بعدد 20 الف مقاتل خلال السنوات الثلاث المقبلة. وهذا يشير الى أن الخدمة سترتفع بنسبة 43 في المائة. الدعم الدولي لجهاز مكافحة الارهاب بحسب ما اشار اليه الخبير العسكري ديفيد ويتي حيث يتلقى الجهاز دعماً مالياً قدره 225 مليون دولار سنويا من الحكومة العراقية من رئاسة الوزراء ووزير الدفاع. وفي هذا المجموع سيتم اضافة حوالي 55 مليون دولار من مساعدات الميزانية الامريكية كل عام. وهذا المبلغ اذا ما اضيف عليه 55 مليون دولار من طلبات ميزانية الخدمات التي بلغ متوسطها 412 مليون دولار. يمكن الاستنتاج من القدرة التشغيلية المستمرة لدائرة مكافحة الارهاب هو الدعم العيني من جانب دوائر الاستخبارات وقيادة العمليات الخاصة الذي سدّ كثيراً من فجوة الميزانية. في عام 2017، وقد ادرجت الميزانية العراقية اول بند مخصص لدائرة مكافحة الارهاب بلغ مجموعه 683 مليون دولار. واذا كان من المقرر تكرار هذا التخصيص في عام 2018، مع المساعدات الامريكية البالغة 193 مليون دولار، فان المجموع سيكون غير مسبوق وهو 876 مليون دولار. اي اكثر بثلاثة اضعاف من الاموال المخصصة للجهاز في عام 2014. ويبقى السؤال قائماً، ما الذي يمكن ضمانه لاستثمار الموارد بحكمة، وأن تظل دائرة مكافحة الارهاب فعّالة وقوية وجيدة؟. وعلى وجه الخصوص، ما الذي يمكن ان يفعله التحالف الدولي لضمان تحقيق افضل النتائج؟. الضمانة الأولى برأينا في ذلك تتمثل بوجود قائد عالي المستوى عسكرياً واكاديمياً وادارياً ونزيهاً على رأس الجهاز كطالب شغاتي ، وما يختاره معه من الإدارات العليا والوسطى.
*
اضافة التعليق