بغداد- العراق اليوم:
يظل السؤال مشروعاً ومبررًا، بل ومطروحاً بقوة في ساحة باحثي علم الوراثة والجبينات، حول انتقال بعض القيم المعنوية من الاباء الى الابناء ، وتوارثها جيلاً بعد اخر. فيذكر التاريخ مثلًا ان عائلة ما اشتهر جدهم بالكرم فترى تلك السلالة كريمة حتماً، حيث ينتقل فيها الكرم جيلًا بعد، وكذلك الشجاعة، وبقية الصفات المعنوية الايجابية، وللأسف ثمة قيم منحطة تنتقل هي الاخرى ايضاً.
واذا ما نجح الباحثون في ايجاد حل لمشكلة التوارث، فهل يا ترى سيستطيعون تعزيز انتقال الفضائل، ومنع انتقال الرذائل ؟
وهنا يذكر التاريخ العراقي الحديث، ان الموصل مرت باعظم محنة بعد تأسيس الدولة العراقية، وقيام الدولة التركية، بقيادة مصطفى كمال اتاتورك التي ادعت عائدية الموصل للسلطنة العثمانية الزائلة، وقد وجدت المملكة العراقية الفتية بقيادة المرحوم الملك فيصل الاول نفسها في محنة كبرى، فعراق بلا موصل لا يعني شيئًا ولا يمكن تخيل خارطته، ثم كيف يتسنى لأي كان ان يتخلى عن جزء عربي خالص، حتى مع وجود مكونات قومية اخرى. لذا قادت المملكة العراقية وبمساعدة بريطانيا جهودًا مضنية في سبيل الحفاظ على وحدة الاراضي العراقي وحماية الموصل من الاقتطاع.
ويذكر التاريخ ان ثمة عوائل موصلية اصيلة كانت في طليعة العوائل التي دعمت التوجهات القائلة بوحدة الاراضي العراقية ورفض انتقال الموصل لتركيا، وبذلت في سبيل ذلك جهوداً واموالاً، حتى ان التاريخ يذكر ان قضية الموصل تحولت الى هم عراقي انذاك، حيث تناخت القبائل العربية في جنوب ووسط العراق، ورفضت ضم الموصل لتركيا، كما لعب رجال الدين الشيعة والسنة الوطنيون جهوداً كبرى في تثبيت عائدية الموصل للعراق. وقد نجح الاستفتاء في اثبات ذلك عام ١٩٢٥، لكن في المقابل يسجل التاريخ ان ثمة عوائل اخرى حاولت جاهدةً ضم الموصل لتركيا، ولعل موقف محمد النجيفي واحد من ابشع تلك المواقف، حيث كان النجيفي يتسلم الاموال من تركيا (ما اشبه اليوم بالبارحة) وينفقها على ضعاف النفوس لغرض كسب اصواتهم في الاستفتاء لصالح تركيا . وكانت فضيحة محمد النجيفي واحدة من اسوء الفضائح السياسية التي لا تزال تزكم التاريخ كله الى يومنا.
يكمل الاحفاد سيرة الجد !
ولعل ما اخفق به النجيفي الكبير، يحاول احفاده الصغار جداً، ان يحققوه اليوم في ظل طغيان التدخل الخارجي، واندفاع تركيا بطورانيتها الجديدة في العمق العراقي. فمع تحشيد التحالف المشبوه والخياني بين اوردغان ومسعود ابن مصطفى برزاني لغرض فصل الجزء الشمالي من العراق، وضم اجزاء كبيرة من الموصل الى هذا الجزء المقتطع، يحاول اليوم النجيفيان اسامة واثيل، اقتطاع الجزء المتبقي من الموصل وضمه الى تركيا، التي تريد استعادة الموصل عبر وكلائها بل عملائها من الاكراد والعرب.
أن اسقاط الموصل وما جرى بعد ذلك، تتضح معالمه الان، فبعد ان نجح اولاد الملحة من الجيش العراقي، والحشد وابناء العشائر الوطنية، في طرد داعش وقتلها ايما مقتلة، يقفز الى الواجهة مشروع التقسيم البغيض، وسط صمت لأسامة وشقيقه الالثغ اثيل، اللذين ينتظران دورهما الخياني في اقتطاع بقية اجزاء الموصل، بعد ان يقطع مسعود الجزء الاكبر من الاراضي العراقية.
لكن للتاريخ وللجغرافيا منطقهما، وقد لا يدرك مسعود ولا عملاء تركيا اسامة واثيل ان المعادلة تغيرت اليوم، وان زمن الهزيمة والانكسار ولى الى غير رجعة، كما ان العزف على نغمة مظلومية اهل السنة والمناطق الغربية من العراق لم يعد يجدي نفعًا في ظل انكشاف المشروع التقسيمي والتآمري البغيض. اذ اصبح ابناء العراق في المناطق الغربية امام تهديد وجودي يستهدف الجغرافيا ويبتلع الهوية، فهل سيسكت هولاء الذين افشلوا مشروع النجيفي الجد، فهل سيمر مشروع الاحفاد؟.
*
اضافة التعليق