بغداد- العراق اليوم :
انتهجت سلطة صدام القمعية، لاسيما المخابرات العراقية آنذاك أسلوب زرع ضباط مخابرات في الداخل والخارج مطلع الثمانينات من العقد الماضي ، كلمة *زرع * تعني توفير غطاء غير شرعي (غير دبلوماسي) لا يتمتع باي حماية او حصانة امنية، وحينها يتم تعيين الضابط المعني في الوزارات او المؤسسات بطريقة ادارية ذكية، تتماشى مع ذريعة التعيين الاعتيادية لاي مواطن اخر ويخضع الضابط الى المسائلة القانونية والعقوبات عند كشف شخصيته الحقيقية، مع ايداع هويته، وسلاحه الشخصي في مركز الجهاز .
وكانت وزارة الثقافة والاعلام / الاعلام الخارجي ابرز الدوائر في تعيين ضباط الزرع ، وزارة الخارجية/ دائرة المراسم والخطوط الجوية العراقية، وكذلك دائرة المشاريع المعنية بادارة مشاريع خاصة لدائرة المخابرات، مثل بعض فنادق الدرجة الاولى في حينها، فندق بغداد، النخيل، ومطعم الزوارق.
فهذه الدائرة كانت تطعم بضباط مخابرات متقاعدين واحيانا من خارج جهاز المخابرات .
زرع الضباط في ظل الحصار
خلال فترة الحصار بعد حرب الخليج الثانية 1990
لقد حرص جهاز المخابرات على زرع ضباط بدرجة اكثر من الاعتيادي بعد ان شهدت الخارجية تقليصاً في ميزانيتها ومقاعدها الدبلوماسية، بل غلق بعضها وتقليل تمثيل الاخر بسبب الحصار.
كانت اليمن وليبيا من ابرز الدول التي شهدت ارسال عدد من الضباط بغطاء تدريسي في المدارس والجامعات ، وكان الهدف من زرع الضباط اقتصاديا وتحويل العملة الصعبة اكثر من منافعه الاستخبارية . فالتوجيهات كانت تؤكد على عدم تواصل او اتصال ضباط الزرع في محطات المخابرات في تلك الدول، وكانت معلوماتهم وتقاريرهم تصل من خلال التنظيم الحزبي المرتبط بجهاز المخابرات مباشرة .
دائرة المشاريع في جهاز المخابرات
خلال فترة الحصار الذي بدأ عام 1990
كانت دائرة المشاريع قد اشتركت في تجارة النفط العراقي للخارج عن طريق التهريب المباشر عبر ايران، او عن طريق شركة سومو في بغداد العائدة الى التصنيع العسكري آنذاك ، كذلك كانت معنية بتجارة وبيع السفن المدمرة في شط العرب .
وقد كانت تجارة وقود ( الديزل ) هي الابرز عن طريق ايران، ثم الى سنغافورة والصين .
واستثمر جهاز المخابرات علاقات واسماء شركات عائدة الى ابناء الجالية العراقية، بالاضافة الى مشاريع قديمة خارج العراق، وخاصة في اوربا، حيث كانت تعمل تحت اسماء تجارية لتنفيذ سياستها التجارية بهدف كسر الحصار الذي انيط في السنوات الاخيرة الى جهاز المخابرات بعد ان كان ذلك خارج اهتمامه .
وضمن توجيهات صدام حسين شخصياً الى جهاز المخابرات العراقية فقد نشطت السفارات العراقية في الخارج، ومحطات المخابرات ايضا، لكسر الحصار من خلال عقد صفقات تجارية مباشرة ضمن بنود اتفاقية النفط مقابل الغذاء، حيث كانت هذه الجهود تهدف الى ايجاد اتفاقات سرية مع تلك الدول لاستثمار بعض كلف الصفقات بالحصول على الاجهزة والمعدات بدلاً عن الغذاء، من اجل ان تدخل هذه المعدات في مجال التصنيع العسكري.
ومن المشاكل المادية التي كانت تعاني منها وزارة الخارجية العراقية ومحطات المخابرات في الخارج، كانت مشكلة ايجار مباني سفاراتها وملحقياتها، التي اصبحت عاجزة عن تسديد بدلات الايجار المكلفة، لذا دأبت الخارجية، وجهاز المخابرات على العمل باسترجاع بعض ديون العراق من الخارج، واستلامها هناك نقدا من قبل سفاراتها دون العودة الى بغداد، ليتم توزيعها على السفارات اقليمياً، وكانت ابرز الدول التي تعاملت في هذا الملف هي فيتنام والصين، لذلك شهدت هاتان الدولتان زيارات متعددة لمسؤليين كبار بدرجة وزير فما فوق، منها نائب رئيس الوزراء، ووزير النفط، وغيرهم، بهدف استرجاع بعض تلك المبالغ، والبعض الاخر كان مقابل استيراد الغذاء .
كما عملت الخارجية ايضاً وبالتعاون مع محطات المخابرات بالخارج ببيع بعض عقارات الدولة هناك واستلامها نقدا بعيدا عن النظام المصرفي الدولي الذي كان يحرم على العراق تداول حساباته، وقد كانت اندونيسيا، وسويسرا ابرز تلك الدول ، لذلك كان البريد الدبلوماسي في وزارة الخارجية يشهد نشاطا غير اعتيادي بحركة البريد المغلق المحمول باليد .
زرع مصادر سرية ستراتيجية
تقوم خطة عمل المخابرات العراقية في ظل النظام السابق على إيجاد فرص استخبارية لزرع مصادر/ تجنيد اشخاص في الدول الخارجية وخاصة الدول المغلقة بوجه الخارجية العراقية والمخابرات، اهمها ايران واسرائيل والولايات المتحدة وكندا. و قد تم التركيز خلال عقد التسعينيات على تحقيق ذلك خاصة من العراقيين الذين يحملون جنسيات اخرى ، يصار الى تجنيدهم وتدريبهم في الخارج دون زيارة بغداد . والتدريب يكون في دولة ثالثة غير الدولة التي يعيش فيها المصدر او التي يحمل جنسيتها. وعادة ما ياخذ التدريب جلسات عديدة وزيارات عدة تمتد الى سنتين بالاقل، حيث يكون باشراف كادر مخابرات متقدم من المركز، وبعد الانتهاء من التدريب البشري يتم تدريب المصدر على الخبرات الفنية مثل استخدام التسجيل او التصوير السري، وكيف يتعرف على كشف الزرع الفني / اي كيف يتمكن كشف وجود تنصت او كاميرات في الاماكن التي يتواجد فيها خلال المهام الاستخبارية، بالاضافة الى اساليب كشف المراقبة البشرية السرية، والتراسل السري مع مسؤوله .
لقد كانت اميركا وكندا ودول خلييجية تمثل ابرز الاهداف لهكذا مصادر ستراتيجية ، اما ادامة العلاقة بمثل هذه المصادر الستراتيجية فتكون مباشرة من قبل المركز وليس المحطة، باللقاء في دولة ثالثة.
وتوفر المخابرات العراقية لهذه المصادر التمويل لادارة مشاريع تجارية تسهل حركتهم، منها شركات سياحية، وتجارية ، اما ابرز اهداف تجنيد المصادر الستراتيجية فهي اختراق المعارضة العراقية في الخارج، وكذلك التغلغل في صفوف اللاجئين السياسيين وتحقيق صفقات تجارية لصالح العراق يتم ادخالها وتهريبها للعراق ايضا عن طريق دولة ثالثة وليس المنشأ .
*
اضافة التعليق