بغداد- العراق اليوم:
وصلنا الى هذه المحطة أذن، بعد محطات طويلة ومرعبة من محطات الفساد الذي نخر جسد الدولة العراقية، وأتى على أسسها أًساً بعد أخر . طوينا صفحات طويلة من فساد المؤسسات الرسمية، وبتنا في حكم اليائس من إصلاحها، لكننا لم نتوقع أن يطال الخراب، مؤسسات معنية بالصلاح وتحصين المجتمع !
لكن " أرضة" الفساد يبدو أنها لا تتوقف عن أكل كل ما يقف إمامها، لا تخشى سوى أولئك الذين لا تهزهم مغريات، ولا تخيفهم تهديدات، ولعمري فأن أولئك هم اندر من الزئبق الاحمر في عراق اليوم.
لن نطيل في هذا المضمار، لكننا سنعقد مقارنة بسيطة، لنخرج بنتيجة ينتظرها الكثيرون الذين يتفرجون على ماراثون الفساد الذي انطلق ولم يتوقف للآن . سنتعرف معكم على نتيجة ماراثون النهب والسرقة والفساد بكل انواعه في مفصلين يمثلان الاسلام، بشقيه الشيعي والسني كما يفترض.
واذ يمكن ان يعتبرهما البعض علامةً على الانقسام الديني في العراق، فأننا سنؤكد له ، أنهما يشتركان بقوة في هدف ومشروع واحد، تلغى امامه الاختلافات الفقهية، وتصبح امامه الهوة التاريخية ملغاة تماماً.
فالفساد الذي يتغلغل في الديوانيين ( السني والشيعي) عامل مشترك قوي يجتاح كل هذه الفروقات والاختلافات الجذرية التي على أساسها شكل " بريمر" الديوانيين، وهو لا يعرف ان سنوات قليلة وسيصبح الشعار " أخوان سنة وشيعة ... في سرقة أموال الله والدولة والشعب"!
نعم ،اموال الله والدولة والفقراء المحرومين التي ينهبها أولئك الذين اجتاحوها، وراحوا " يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع" كما يقول الزاهد الأعظم علي بن ابي طالب، ولا يقف امامهم رادع ولا يمنعهم مانع !
في قصة فساد الوقف السني مثلاً، ستجد ما يشيب له الولدان، وستكتشف ان داعيةً لكل طاغية في الارض، أسمه عبد اللطيف هميم، حول اموال الوقف السني وموقوفاته الشرعية الى "دُولة" له ولأولاده واصهاره وكل شلل الفساد التي تنهب مقدرات الديوان، حتى أن لجنة الرقابة في مجلس النواب العراقي تقدر الضرر وحجم النهب في مال الوقف منذ ان تولى " الهميم " رئاسة الوقف وكالةً بـ 600 مليار دينار عراقي، ولا يزال مسلسل السرقة والنهب قائماً، ما دام سرمد الهميم وأخوه يقومان مقام اولاد الخليفة القائم بأمره، ويحولان اموال الله الى حساباتهم الخاصة في بنوك عمان وغيرها.
ولعل القراء الكرام يتذكرون ما نشره " العراق اليوم" من حلقات طويلة ومتسلسلة لفساد الهميم وعائلته التي اطبقت على اموال الوقف، وراحت تستولي على عقارات موقوفة، بحيث اصبح التداخل بين مال الهميم الخاص ومال الوقف العام، واحداً من اصعب الملفات التي تواجه أي مدقق او محاسب، فالشيخ ( البروفسور ) مزج بين هذه الاموال مزجاً لم يقم به مسؤول سياسي فاسد من قبل، فما بالك لو كان هذا الفاسد شيخاً، ورجل دين؟! نعم فقد تداخل الحسابان، وضاعت الحسبة على كل من يريد ان يحسب، فلا احد اليوم يعرف اين حدود اموال وممتلكات الهميم الخاصة، واين اموال وممتلكات الوقف السني العامة!!
هل تريدون دليلاً على هذا، اليكم أخر ما حصل مع " الشيخ الرمح" كما يسمي نفسه، فيكفي مثلاً ان ترجع لملفات القضاء العراقي، لتجد ان الشيخ محكوم بسنة حبس، لتجاوزه على اموال الوقف ونهبه، ولكن القضاء اوقف تنفيذ الحكم بالشيخ لكبر سنه !!
ولأن المجال لا يتسع لذكر كل ملفات الوقف السني، فأننا سننتقل الى ملفات نظيره الشيعي، الذي نصب على ادارته رجل دين متشدد يدعى علاء الهندي، وهذا الهندي أحدث في الديوان مالم يحدثه من قبله أحد، بحيث بلغت مستويات الفساد درجة بات فيها الكثير من مراجع الدين والشخصيات الشيعية الكريمة محرجين، ويعدون الوقف الشيعي صفحة سوداء في ملفات الشيعة في عراق اليوم.
كما ان فتنة الهندي أكبر من فضائح الفساد، حين ظهر كأي داعشي متشدد وهو يهدد ابناء المكونات من الشعب العراقي، من الأخوة المسيحيين والصابئة، ولولا حكمة وحنكة المرجعية العليا لاثار هذا " الهندي" فتنة لا تبقي ولا تذر بين ابناء الشعب العراقي.
وسنكتفي بذكر بعض المخلفات وملفات الفساد لديوان الوقف الشيعي، من باب ذكر المثال فقط، والا فأننا سنعجز عن ايراد هذه الملفات التي ارهقت لجان النزاهة والرقابة المالية والقضاء.
فقد حصلت وسائل اعلام على نسخ من أوامر ديوانية صادرة بتوقيع رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي، متضمنة تعيين 3 مدراء عامين ومعاون لأحدهم، وبحسب مصدر مسؤول في الديوان، فان هذه الأوامر تحتوي على مخالفة كبيرة للسياقات والتعليمات الإدارية والقانونية، وتضمنت الاوامر الديوانية ايضا قيام الموسوي بصرف 15 مليون دينار شهريا من ميزانية الوقف لثلاثة رجال دين غير موظفين على الملاك الدائم.
ويقول المصدر المسؤول ، إن "مدير عام الدائرة الادارية والمالية/ وكالة، المدعو (محمد شوكت ياس خضير) يشغل منصبه في تاريخ 7/12/2015 وكان قبل هذا التاريخ موظفا في وزارة الداخلية، حيث يعد أمر تعيينه في الوقف مخالفة صريحة لقانون الخدمة العسكرية، فالمادة 14 من القانون أجازت استخدام الضابط خارج الجيش والشرطة بموافقة القائد العام للقوات المسلحة لمدة لا تزيد عن 3 سنوات، وهذا الاستخدام يكون لاغراض محددة، وليس من ضمنها ان يتولى منصب مدير عام".
ويضيف المصدر، أن "مدير عام دائرة إحياء الشعائر الحسينية/ وكالة، المدعو (رائد داوود مشيهد) كلف بهذا المنصب بعد مرور 20 يوما من صدور أوامر تعيينه كموظف جديد في الوقف بدرجة معاون ملاحظ!، وبالتالي تعيينه مديرا عاما خلال هذه الفترة يعد امرا مخالفا لقانون الخدمة المدنية الذي اوجب خضوع الموظف الجديد الى التجربة في خدمة فعلية ثم يثبت بعد ذلك".
ويتابع المصدر المسؤول ان "مدير عام الدائرة القانونية/ وكالة المدعو (علي عيسى اليعقوبي) تم تعيينه بهذا المنصب قبل ان يكون موظفا أساسا، حيث كلف بمنصب مدير عام بتاريخ 2/9/2015، بينما اوامر صدور تعيينه كموظف عادي في الوقف كان بتاريخ 18/10/2015".
ويردف المسؤول بالوقف ان "الموسوي كلف المدعو (علي صاحب عباس) زوج بنت النائبة عن ائتلاف دولة القانون وعضو لجنة الأوقاف النيابية هناء الطائي بمنصب معاون مدير عام دائرة إحياء الشعائر الحسينية، علما ان درجته الوظيفية هي معاون ملاحظ، اضافة الى ان عمله قبل منصبه الحالي هو موظف خدمة في تشريفات مجلس النواب".
وكانت وسائل اعلام قد نشرت في 15 تشرين الثاني الماضي، وثائق تثبت تعاقد رئيس الديوان مع ثلاثة رجال دين هم كل من (الشيخ محمد جبير علوان الكعبي والشيخ طاهر الخاقاني والشيخ ستار جبار سلمان)، كخبراء في الوقف، مقابل 5 ملايين دينار شهريا لكل واحد، رغم أن هؤلاء لا يحملون تحصيلا علميا محددا".
وفي سياق هذه المعلومات، يقول المصدر ان "رئيس الديوان وافق على توزيع ما قيمته 160 مليون دينار من ميزانية الوقف على فقراء المدينة المنورة في السعودية"، متسائلا بالقول "اليس من الضروري صرف هذه المبالغ على فقراء العراق؟".
ويكشف المصدر ايضا عن "هدر رئاسة الديوان 50 مليون دينار على مشروع (المبارك) هو عبارة عن كلام وعبارات فضفاضة ولا توجد له نتائج على الارض، حيث لم يتبين لمن صرفت هذه المبالغ؟ وكيف صرفت؟ ولا حتى الاشخاص المستفيدون منها؟ والنتائج المترتبة على الصرف؟".
ويضيف أن رئيس الديوان وافق على تعيين عمال من بنغلادش في مكتبه براتب 3 ملايين دينار لكل شخص، معتبرا تعيينهم "مخالفة لقانون وتعليمات الموازنة الاتحادية التي ألزمت الوزارات والدوائر والهيئات باستخدام العراقيين في العقود".
بعد هذا الذي عرض، هل يمكن أن نطلق حكماً، وان نعلن فوز وقف على أخر، أم اننا ازاء تعادل وتساوي في المرتبة، فكلا الوقفين فاق كل التصورات، واحرز رقماً قياساً في الفساد، وأصبح علامة فارقة في علامات العار العراقي الذي بدأ يتسع للأسف ويطال حتى أكثر المؤسسات حرمةً وقداسة ! والى الله المشتكى !!
*
اضافة التعليق