بغداد- العراق اليوم:
في سجلات هيئة النزاهة، ومقتبسات الاحكام الحضورية والغيابية لدى القضاء العراقي، وفي وثائق المنظمات المحلية والدولية المتخصصة بمتابعة الفساد والفاسدين ثمة تقارير وارقام تؤكد على ان الفساد قد ضرب بقوة وعمق أغلب اركان الدولة والمجتمع العراقي، إذ لم تسلم المؤسسات والشخصيات والأحزاب، والقيم والنظم العراقية من فايروس الفساد، بحيث لم يعد ثمة موقع عراقي حكومي ناصع تماماً، الأمر الذي جعل العراق حسب تصنيف التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية ضمن الدول العشر الأكثر فسادآ في العالم، وفي الترتيب الثاني بين الدول الأشد فساداً عربياً، إذ يأتي ترتيبه بعد الصومال مباشرة !! وعلى الرغم من هذا التردي الفظيع في البنية السياسية والحكومية العراقية، والموثق ببيانات الفساد الصادرة من مختلف الجهات، الا ان هناك مؤسسات حافظت على شرفها المهني رغم تعرضها لأعصار المحاصصة التدميري ولعاصفة الفساد الإداري والمالي، وهو أمر يتوجب الإشارة اليه بقوة، من باب الإقتداء بها، وبسلامتها من امراض الفساد اولاً، ومن باب القول للعالم بأن ليس كل العراقيين فاسدين، ولا كل المؤسسات منخورة بسرطان الفساد. فكما هناك احزاب وطنية لم ينجح الفساد من الوصول الى عتبة بابها، ولا المال الحرام من تلويث ايادي قادتها، مثل الحزب الشيوعي العراقي، فإن هناك مسؤولين كبار، وموظفين صغار ايضاً حافظوا على طهارة ايديهم، ونصاعة أكفهم رغم اختلاف انتماءاتهم وجذورهم، فبعضهم اسلامي، وبعضهم علماني، وبعضهم فقراء بسطاء عاديون لم تغرهم كنوز الدنيا، ولم تسقطهم في وحل الفساد جميع النماذج التي أثرت بالمال الحرام، فحاولت جرهم لإثمها. وحتماً فإن هؤلاء النزهاء لم ترهم تقارير منظمة الشفافية الدولية، بسبب عددهم القليل جداً في بحر واسع من الفساد والفاسدين، لكننا كصحفيين متابعين نراهم، ونؤشر نحوهم بأكبر الأصابع. بل بات من مسؤليتنا الوطنية والمهنية والأخلاقية ان نذكر ونقول بأن ليس كل الموظفين في العراق فاسدين، ولا كل الاحزاب السياسية فاسدة، لديها هيئات ولجان اقتصادية تبرم العقود وتقبض الكومشونات من الشركات، ولا كل القوى السياسية لديها وزراء لصوص .
ونفس الشيء يتوجب علينا ان نشهد امام الله وامام التاريخ بأن هناك مؤسسات حكومية عراقية تعرضت لطوفان الفساد لكنها صمدت وقاومت ولم تغرق، والسبب يعود ربما لتوفر ارث وتقاليد وقيم مهنية ساهمت في تثبيت حصانتها، وامنت لها نزاهتها، بحيث ظلت واقفة رغم سقوط الآخرين.. ولكن هل ان كل المؤسسات النزيهة تملك مثل هذا الأرث التاريخي في حياتها المهنية، الا توجد مؤسسات نزيهة بعد سقوط النظام الصدامي؟
والجواب: بلى
هناك مؤسسات ديمقراطية نزيهة بنيت على انقاض مؤسسات قمعية، وسخة. لكن الأقدار أتت برؤساء شرفاء نزهاء منعوا سقوطها في وحل الفساد.
والان دعونا نتعرف على هذه المؤسسات التي ظلت حريصة على شرفها المهني، وهي اولاً ديوان الرقابة المالية، والفضل يعود في ثباتها الى شخص رئيسها الدكتور عبد الباسط تركي، فهذا الرجل لعب دوراً كبيراً في حماية هذه الدائرة المهمة والخطيرة عن مزالق الفساد. والمؤسسة الثانية هي البنك المركزي العراقي، واعتقد ان توفر محافظين بارعين ونزيهين مثل الدكتور سنان الشبيبي، والدكتور علي العلاق كان العامل المساعد في محافظة البنك المركزي على دوره التاريخي في حماية الإقتصاد العراقي، وفي ابعاد هذه المؤسسة الخطيرة عن مهالك الفساد. اما المؤسستان الاخريتان الفتيتان اللتان بيضتا وجه المؤسسات العراقية المشكلة حديثاً، فهما جهاز المخابرات الوطني العراقي، فهذا الجهاز يعتبر من الأجهزة المشكلة حديثاً رغم ان عمر المخابرات العراقية يتجاوز الاربعين عاما، انما استبدل جميع كادرها، بل واستبدلت خططها، وقيمها، وقوانينها، وسلوكها، وباتت المخابرات العراقية اليوم غير تلك التي كانت عليه آنذاك، وكي نكون اكثر دقة يجب ان نقول ان جهاز المخابرات قد تغير، وتطور كثيراً منذ حزيران عام 2016 حتى الان، أي بعد ان تسلم رئاسته المثقف العراقي مصطفى الكاظمي، إذ اصبح هذا الجهاز اليوم محط انظار العراقيين وغير العراقيين، ومحل احترامهم واعتزازهم، لاسيما بعد النجاحات الاستخبارية المهمة التي حققها في معارك تحرير الموصل. فضلاً عن الروح الديمقراطية التي تتحلى بها عناصره، ولعل الأهم في كل ذلك هو ما يتحلى به الجهاز من سمعة حسنة في مجال حقوق الانسان، ومجال النزاهة .
ويبقى الجهاز النزيه الرابع هو جهاز مكافحة الارهاب، فهذا الجهاز مفخرة العراق ومصدر اعتداد العراقيين، ومبعث اعتزازهم بجيشهم البطل. وجهاز مكافحة الارهاب مؤسسة متكاملة من النواحي القتالية، والفنية، والأخلاقية، والتربوية، والفضل كل الفضل يعود لشخص مؤسسه، ورئيسه وقدوته الفريق الاول الركن الدكتور طالب شغاتي، فهذا الرجل حرث بيده الارض وبذرها وسقاها، فأثمر جهده عن هذا البستان الوارف الذي يحتمي بأفيائه العراق والعراقيون دون استثناء .. جهاز شجاع، وقائد مفخرة، ومنتسبون نزهاء حد الدهشة.
*
اضافة التعليق