بغداد- العراق اليوم:
بعد ساعات قليلة من إصدار مجموعة من رؤساء الصحف العراقية المستقلة بياناً تحذيرياً للحكومة العراقية بشأن الظرف المالي الذي يمر به هذا القطاع والتحديات التي يواجهها مديرو هذه الصحف التي باتت مهددة بالإغلاق بالفعل. وجد المئات من الصحفيين العراقيين العاملين في تلك المؤسسات أنفسهم إمام خطر محدق بهم، حيث ستؤول هذه الأزمة إلى صرفهم وقطع معاشاتهم، دون ان يجدوا بدائل مناسبة لتأمين عمل جديد.
هذا المآل الغامض يفتح الباب على مصراعيه، لمناقشة أسباب هذه الأزمة، والتي ترتبط بشكل مباشر بالسياسات الحكومية المجافية للصحافة المستقلة للأسف، فالكثير من رؤساء الصحف العراقية المستقلة يلمسون بشكل واضح منذ عدة أعوام توجهاً معادياً لصحفهم التي يأتي خطابها متساوقاً مع الشارع ومزاجه، بعد ان تحررت من سطوة الرقيب، الامر الذي لا يعجب الكثير من المسؤولين الحكوميين الذين واجهوا هذا بالكثير من المضايقات والدعوى القضائية، ولما لم كل يفلح هذا بدأت مرحلة أخرى عبر حجب الاعلانات الحكومية، وهي المورد الرئيس لهذه الصحف، وحصرها بصحف معينة، كذلك الضغط على جهات وقطاعات خاصة بحجب اعلاناتها عن الصحف المستقلة، وطبعاً فإن هذا الأمر سيقود بحسب رؤساء مجالس ادارات هذه الصحف الى مجزرة صحفية حقيقية، وستصبح بغداد على فجر بلا صحف مستقلة قريباً .
هذا الامر أثار حفيظة المتابعين والمختصين الذين رأوا أن هذا التوجه الحكومي يحمل الكثير من الخطورة على المسار الديمقراطي، وحرية الرأي والتعبير الذي يفتخر العراق بكونه واحداً من أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً في هذا المجال.
وطالبت مراكز معنية بحرية الصحافة، حكومة الدكتور حيدر العبادي الى ايلاء هذا الأمر أهمية خاصة، لا سيما وأنها تتحمل بشكل مباشر اغلاق العديد من الصحف الرصينة ابوابها وصرف موظفيها وصحفييها، بعد ان عجزت عن مواجهة الانفاق الكبير مقابل اغلاق تام لمنافذ تدفق الاعلان الحكومي او حتى القطاع الخاص، إنما للأسف لم تستجب الحكومة، ولا رئيسها لهذه المطالبات المشروعة، لذلك توجه
رؤساء تحرير الصحف عراقية الى فتح منافذ اخرى، فعقدوا اجتماعاً طارئاً لغرض مناقشة هذا الملف المهم، وبحث الخطوات التي يمكن ان يتبعها مالكو هذه الصحف لغرض منع وصولها الى ذات المآل التي انتهت اليه صحف أخرى.
وبحسب بيان صحافي صادر في بغداد نشره (العراق اليوم)، فأن رؤساء صحف( المدى، الصباح الجديد، البينة الجديدة، الزمان، المشرق، الحقيقة، الشرق، العالم، فوتبول، العراق الإخبارية رياضة وشباب،الكلمة الحرة، المستقبل، كل الأخبار،الدستور، النهار) عقدوا اجتماعاً لبحث تداعيات هذه الأزمة، واصدروا بياناً دعا الحكومة العراقية الى تحمل مسؤولياتها القانونية، والا فأن كل الخيارات متاحة، كما طالب ناشرو هذه الصحف نقابة الصحفيين العراقيين، بتحمل مسؤولياتها المهنية لانقاذ الصوت الحر الذي توفره هذه الصحف المستقلة، والتدخل لمنع ابتزاز هذه المؤسسات الاعلامية، والكف عن سياسة لي الاذرع التي تنتهجها بعض الجهات.
فيما رأى الصحفي والأكاديمي حامد رشيد، أن أزمة الصحف المطبوعة في العراق، جزء من أزمة عربية ممتدة من مصر ولبنان وبعض الدول التي فيها هذا النوع من الصحف، أي الصحف المستقلة، حيث أن الحكومات لا تزال للأسف غير منسجمة مع وجود صوت صحافي أخر خارج إطارها أو حيز سيطرتها.
وأشار رشيد في حديث لـ" العراق اليوم"، الى إن " من يظن أن زمن الصحف المطبوعة قد أنتهى، وأن دورها قد انتهى مخطئ جداً، وعليه فقط أن يراجع مراكز البحوث الإعلامية، التي تؤكد أن نشاطًاً جيداً يشهده هذا القطاع حول العالم، وان الصحف المطبوعة لن تغادر المشهد بهذه البساطة، حيث أنها لا تزال وثيقة مهمة في الكثير من الاحيان ".
وأضاف " فيما يتعلق بمخارج الأزمة الحالية، فأننا نعتقد أن الحكومة لا تزال غير مدركة لدور هذا القطاع الذي يوفر مئات فرص العمل، لذا فأن تنظيم هذا القطاع وفق قانون خاص، يجب أن يكون هو الخطوة الأولى، وحسناً فعل اصحاب هذه الصحف حين دعوا الى تأسيس جهة قطاعية تعنى بحقوقهم".
وتابع " ثم على مجلس النواب وخصوصاً لجنة الثقافة والاعلام،٧ التدخل في هذا الأمر، ومنع سياسة احتكار الاعلان الحكومي في مؤسسات معينة، كما أن تمويلاً من الموازنة العامة يجب أن يخصص لهذا القطاع وفق معايير معتمدة كما في التجربة المصرية، او اللبنانية، حيث أن تمويل هذه المؤسسات يجب ان تساهم الدولة فيه".
ان بلداً بلا صحف مستقلة لا يستحق ان ينال صفة (ديمقراطي)، ولا يحق لحكومته التفاخر بديقراطيتها، فأية ديمقراطية هذه، ومكتباتها خالية من الصوت الوطني الآخر؟
*
اضافة التعليق