بغداد- العراق اليوم: قالت مصادر كردية مطلعة إن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني يتجه إلى تأجيل الاستفتاء دون الحصول على ضمانات كان يطلبها من الولايات المتحدة التي لوحت بقطع المساعدات عن البيشمركة الكردية لإرغام الإقليم على التراجع عن الاستفتاء المقرر إجراؤه في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل. ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) القول إن “الولايات المتحدة تتجه نحو تعليق مساعداتها المالية والعسكرية للبيشمركة على خلفية الاستفتاء المرتقب حول استقلال إقليم كردستان”. وقال المسؤول إن “الدفعة المالية الأخيرة من المساعدات سيتم تسليمها للإقليم خلال أغسطس الجاري”، وأن “الكرة الآن في ملعب قادة الإقليم الذين عليهم أن يقرروا ما يجب فعله”. وتعتمد القوات الكردية على المساعدات الأميركية، لدعم خطوط انتشارها على حدود إقليم كردستان مع المناطق العربية المجاورة، التي يشهد معظمها نشاطا قويا لتنظيم داعش. ووفقا لمصادر عسكرية في بغداد، فإن قطع الإمدادات الأميركية عن البيشمركة سيعرض أمن إقليم كردستان للخطر، خاصة أن تنظيم داعش مازال يملك قوة كبيرة في محافظة كركوك، المجاورة لأربيل، عاصمة الإقليم الكردي. واستخدمت المساعدات العسكرية الأميركية في تعزيز انتشار قوات البيشمركة في مناطق كانت تحت سيطرة الجيش العراقي، قبل أن يجتاح داعش أجزاء واسعة من مناطق شمال العراق. ورجحت مصادر سياسية في بغداد أن بقاء البيشمركة في كركوك الغنية، التي سيطرت عليها بعد انسحاب القوات العراقية منها في 2014، مرهون بالإمدادات الأميركية للقوات الكردية. واستحوذ الإقليم الكردي على النفط الذي تنتجه كركوك، وبات يصدره لحسابه. لكن قيادة البيشمركة تستبعد أن تقوم الولايات المتحدة بقطع المساعدات العسكرية عنها. وقال جبار ياور أحد كبار المسؤولين الأمنيين في كردستان العراق، “لا يوجد أي مؤشر على أن الولايات المتحدة تتجه إلى قطع مساعداتها لقوات البيشمركة ونستبعد ذلك”، مؤكدا أن “الإدارة الأميركية مستمرة في دعم البيشمركة بالأسلحة والخبراء والمدربين وتساعد القادة العسكريين الأكراد في حربهم ضد الإرهاب”. وكشفت وزارة الدفاع الأميركية أنها “سلمت قوات البيشمركة الكردية منذ بدء العمليات ضد تنظيم داعش في 2014 مئات الملايين من الدولارات، فضلا عن توفير الدعم العسكري والذخائر والمعدات لها، بموافقة حكومة بغداد”. وقال المتحدث باسم الوزارة إيريك باهون، إن “البنتاغون وقع في يونيو 2016 مذكرة تفاهم مع البيشمركة من أجل تسهيل الدفعات المالية للقوات المنخرطة في معركة تحرير الموصل”، لكنه قال إن “الدفعات انتهت حاليا”. وفي تأكيد لموقف واشنطن، أبلغ قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل، البارزاني، الخميس “تأكيد بلاده على ضرورة تأجيل إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان”. ولدى سؤاله عن إمكانية أن تكون بغداد طلبت من الولايات المتحدة الضغط على البارزاني، قال مسؤول في مكتب العبادي إن “هذا ممكن” لكنه رفض الإدلاء بتفاصيل. ولا تقف المخاطر التي يجرها الاستفتاء الكردي عند حدود قطع الإمدادات العسكرية الأميركية عن البيشمركة، بل تتجاوز إلى إمكانية تعرض المنطقة الكردية داخل العراق لحصار خانق من تركيا وإيران المجاورتين. وطيلة الأسابيع القليلة الماضية، عبر مسؤولون في أنقرة وطهران عن مواقف متطابقة، بشأن رفض الخطوة الكردية نحو الاستقلال عن العراق، التي يخشى أن تغذي طموحات مماثلة لدى أكراد تركيا وإيران. ولوح مسؤولون في البلدين بأن “إغلاق الحدود مع المنطقة الكردية أمر وارد”، في حال إصرار البارزاني على إجراء الاستفتاء. وتقول مصادر محلية في أربيل، إن “الكثير من السكان المحليين يخزنون مواد غذائية تحسبا لحصار تركي إيراني مرتقب، في حال أجري الاستفتاء الكردي”. وداخليا، لا يبدو أن الوفد الكردي الذي أرسله البارزاني، الاثنين الماضي، إلى بغداد، بهدف إقناع المسؤولين فيها بقبول الاستفتاء، أحرز تقدما يذكر، إذ نصت مواقف القيادات السياسية التي التقى بها على “تشجيع الحوار مع الالتزام بوحدة البلاد”. وخلا بيان مكتب رئيس الوزراء العراقي عن لقائه بالوفد الكردي، من أي إشارة إلى استفتاء كردستان، ما اعتبرته وسائل إعلام محلية دليلا واضحا على تصلب بغداد في موقفها الرافض للخطوة الكردية. وفي النجف، رفض مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني، السماح للوفد الكردي بعرض قضية الاستفتاء خلال لقائه بالمرجع. وعلم أن مكتب السيستاني طلب من الوفد الكردي أن يتجنب طرح ملف الاستفتاء خلال اللقاء، لأن “هذا الملف من اختصاص الحكومة العراقية في بغداد”. وفضلا عن رفض بغداد والتحذيرات الخارجية الواضحة، يواجه البارزاني حراكا داخل إقليم كردستان لرفض إجراء الاستفتاء في الوقت الحالي. ويتداول مراقبون سيناريوهات مختلفة للخروج من الأزمة الكردية. وقالت مصادر سياسية في بغداد إن “الولايات المتحدة تحاول أن تلعب دور الوسيط بين البارزاني والقيادة السياسية في بغداد، للحصول على ضمانات تدفع الأكراد إلى تأجيل الاستفتاء”.
ووفقا للمصادر نفسها فإن واشنطن تحاول إقناع بغداد بتقديم ضمانات كافية لأربيل من أجل تأجيل الاستفتاء. وتعتقد الولايات المتحدة أن ضمان حصة عادلة من موازنة العراق السنوية للأكراد، ربما يدفع البارزاني إلى التفكير في تأجيل الاستفتاء. ويريد البارزاني ضمانات بشأن مستقبل منطقة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها، والتي توصف بأنها “قدس كردستان”، لأهميتها لأكراد العراق. كذلك يريد البارزاني استعادة النفوذ الكردي في بغداد، الذي تراجع كثيرا مع إقالة هوشيار زيباري من منصب وزير المالية.
*
اضافة التعليق