من أرشيف جهاز المخابرات العراقي: كيف نجا صدام من نيران (الجبور) في منصة العرض العسكري عام 1990؟

بغداد- العراق اليوم:

نتحدث في هذا التقرير عن مقاطع بالصوت والصورة تم رفعها على قناة top dangerous في موقع اليوتيوب أحدها فيديو بعنوان (صدام حسين كاد يلقى مصير السادات في المنصة بإستعراض عسكري1990) مدته 5 دقائق , ويبدأ بمقطع مدته 10 ثوانٍ مأخوذ من الأرشيف العراقي يبث جانباً من الإستعدادات لإقامة مهرجان الإستعراض العسكري في 6 يناير 1990 بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي , ويتم خلاله توجيه التحية بصوت المُعلِّق إلى الرئيس صدام حسين الذي لم يكن موجوداً في المنصة , وقد تأخر حضوره إلى المهرجان وكان غريباً توجيه التحية إلى الرئيس في غيابه على غير ماهو معتاد في هذه المراسيم بأن تُتلى بيانات التحايا عند قدوم الرئيس إلى الموقع وليس في غيابه , فلا محالة إن أمراً قد طرأ وخلق جواً من الإرتباك في جهازي الإستخبارات العسكرية والمخابرات العامة , فما هو إذاً ؟

القصة هي أن يوم السادس من كانون الثاني عام 1990 كان سيغيّر مجرى تاريخ العراق, بل تاريخ المنطقة والعالم بأسره , كان مقرراً في ذلك اليوم ساعة الصفر لتنفيذ إنقلاب عسكري خطط له عسكريون وضباط من الجيش ومن داخل القصر الجمهوري برُتب مختلفة معظمهم من عشيرة الجبور يقودهم النقيب سطام غنام الجبوري , وكان الأمين العام لما سُمّيت حركة السادس من كانون الثاني هو عبد محمد جرو الجبوري , وفيما إذا نجح الإنقلاب فإن رئاسة الجمهورية كانت ستُمنح للواء الركن محمد جسام الجبوري , والمؤسسات الثقافية والإعلامية والنشر والإذاعة والتلفزيون فكانت من نصيب الأديب والروائي حسن مطلق روضان الرملي صاحب رواية ‘‘دابادا’’

كان ذلك اليوم هو يوم الإستعراض العسكري بمناسبة الإحتفال العلني بذكرى تأسيس الجيش , وكانت الخطة تقضي بأن يقع الهجوم أثناء العرض العسكري على الهواء مباشرة وكانت القوات المشاركة من الحرس الجمهوري على الأهبّة لتوجيه ضرباتها للمنصة التي يجلس فيها الرئيس ورفاقه , وأثناء مرور فرقة الدبابات كان عدد منها سيقصف المنصة، في حين ان بعض الطائرات الحربية المشاركة في الإستعراض الجوي ستطلق صواريخها على المنصة الرئاسية, بينما يشارك عدد من الجنود في الساحة أيضاً بأسلحتهم في هذه العملية الجسورة.

حتى لواء الحماية الخاص المكلف بحراسة القصر الجمهوري، فهو الآخر سيشارك بهذا الإنقلاب عبر الدور المكلف به من قبل قادة الإنقلاب، وذا الدور محدد بالإستيلاء على القصر وتصفية كل من فيه من قيادات البعثيين, وكان في كل الوحدات العسكرية مجموعة مكلّفة بالسيطرة على وحدتها.

لقد كان كل شيء سيحدث في توقيت واحد، بحيث لم ينس قادة العملية أي مفصل مهام من المفاصل الستراتيجية بما في ذلك الإذاعة والتلفزيون، حيث وضعوا مجموعة كافية من حرس مبنى الإذاعة والتلفزيون ذاته للقيام بإحتلال المبنى وإعلان البيان رقم (1), على أن يستمر بث وقائع الإنقلاب على الهواء مباشرة.

لقد كان إغتيال السادات في حادث المنصة الشهير مجرد عملية إغتيال لا أكثر، وليس تصفية للنظام برمته, بينما كان الإنقلابيون في بغداد صبيحة السادس من كانون الثاني يريدون تصفية النظام بأكمله، وليس إغتيال صدام حسين فحسب..  إذ قال قائلهم (لن نُضحّي بأنفسنا من أجل أن يأتي ديكتاتور آخر).

 وللحق فقد كان التخطيط دقيقآ، بل وفي غاية الدقة،  إلا أن أحد الضباط أباح شيئاً عن الخطة لأخيه أملاً في أن يقوم بمساعدته، ولكن الأخ كان مُخبراً، ومن كتبة التقارير لأجهزة الأمن فوشى بأخيه الضابط، حتى انهم أخبروه ان يصمت ولا يخبر أخاه، لكي يعرفوا من هم شركاءُه.

وبعد إختراق جهاز المخابرات للتنظيم أُلقي القبض على قادة وأعضاء الإنقلاب, وكان الذين حكموا بالإعدام بالرصاص (لأنهم عسكريون) كل من: النقيب سطام غنام مجذاب الجبوري , النقيب جمال شعلان أحمد الجبوري , النقيب مضحي علي حسين الجبوري , النقيب محمود عبد الله محجوب الجبوري , النقيب إبراهيم أحمد عبد الله الجبوري , النقيب صباح عبد الله حسين الجبوري , النقيب خيرالله حميدي محمد الجبوري , النقيب صالح جاسم محمد جرو الجبوري , النقيب خضر علي جاسم الجبوري , النقيب مصطفى حادي الجبوري , النقيب محمود عبد الله محجوب, حسن نايف الجبوري موظف في جهاز الأمن الخاص , حسين عسكر محمد الجبوري منتسب لجهاز الأمن الخاص

أما الذين شاركوا من المدنيين ونالوا حكم الإعدام شنقاً فهم كل من : أحمد غربي حسن العبيدي معاون طبي صحة مجتمع المركز الصحي في الزاب ، ناصر محمود العبيدي , فندي طلب سلامة , جاسم اللهيبي , هيكل الدورة , صبحي الجبوري , هيكل حمد شبيب الجبوري , الروائي حسن مطلق روضان الرملي..

بينما الذين حكموا بالسجن المؤبد فهم: عبد محمد جرو الجبوري , غانم عبد طلب الجبوري نقيب في الجيش , محمد صالح خلف الجبوري , محمود مظهور الجبوري ضابط في الجيش , حميدي محمد سعيد الجبوري موظف في جهاز الأمن الخاص , محمود جنداري الجميلي أديب وموظف حكومي , إبراهيم حسين جاسم , عواد محمد أمين , جمال محمود البدراني

وكان الناجي الوحيد من الإعدامات التي طالت أعضاء الإنقلاب (نحتفظ بإسمه) قد إستطاع الفرار إلى الكويت متخفياً ولم يكن يتخيل أن نظام صدام سيلحق به إلى هناك بعد أشهرٍ معدودات , ولكنه نجى لحسن طالعه كنجاة صدام من تلك المؤامرة , ولمجرد الإستدلال على ماورد ذكره فقد دمجنا مع مقطع الفيديو المذكور مقطعاً آخر يروي شيئاً عن وقائع ذلك الإنقلاب من لقاء شاهد على العصر مع الوزير العراقي حامد الجبوري الذي شغل مناصب وزير الثقافة والإعلام ووزير الخارجية بالنيابة ووزير شئون رئاسة الجمهورية ومدير مكتب صدام ثم سفيراً في تونس ثم إنشق عن النظام خوفاً على نفسه بعد أن ورد إسمه في إعترافات الإنقلابيين من أبناء عشيرته ‘‘الجبور’’ رغم عدم صلته بتلك المؤامرة , ولكن أبناء عشيرته زجَّوا بإسمه في التحقيقات , وللإستزادة من المعلومات نُفصح عن أن حامد الجبوري هو شقيق ياسين علوان الجبوري الذي كان نائب برزان التكريتي في رئاسة المخابرات العامة ثم أصبح سفيراً في الجزائر. انتظرونا في حلقة قادمة...

 

 

 

 

علق هنا