خميس الخنجر وأنور الحمداني، من يكذب على من ؟

بغداد- العراق اليوم:

يعرف الكثيرون أن نقل البندقية من كتف الى أخر، مهمة ليست عسيرة على أولئك الذين يعرفون، ان لا ولاءات دائمة، ولا مبادئ راسخة في عوالم السياسة، والاعلام،إنما الدائم والثابت الوحيد هو المصالح الذاتية، لذا تجد أن كثيرين في هذا الميدان – نقصد ميدان الميديا- ماهرون جداً في بيع المواقف، وتبديل بوصلة الولاءات حسب الجهة التي تدفع لهم، وتغدق عليهم العطايا .

 

ليس عيباً أن ينتقل الصحافي أو مقدم البرامج من محطة الى ثانية، وليس عيباً ان يبحث عن فرص جيدة مهنياً وذات مردود مالي يؤمن له حياةً كريمة، ولكنه غير مطالب البتة أن يبيع ولائه وثوابته حسب نوع المحطة، واتجاهات اصحابها ورعاتها ! .

 

في المشهد الاعلامي العراقي الضاج بتفاصيل كثيرة، ثمة مفهوم روجه بعض مقدمي البرامج السياسية، ورسخوه كمفهوم متسالم عليه للأسف، نقصد به مفهوم " الاستزلام"، بمعنى ان يتحول مقدم البرنامج التلفزيوني الى " زلمة مالك القناة" والناطق بأسمه، والمروج له ولسياساته، والمسبح بحمده، وفضائله، ويقينآ ان الصورة أزيحت بكم الآن الى أحد أشهر " ازلام" الاعلام، نعني به أنور الحمداني، الذي لم يترك فرصة طيلة فترات ظهوره التلفزيوني، الا واثبت انه لا يصلح الا ان يكون " زلمة" لنظام سياسي كما فعل مع البعث المقبور، حيث كان ممجداً لسيده الارعن، ولا يعرف له اطلالة الا وهو يتلو بيانات التهليل والتجميل والتكبير لسيده المهزوم.

 

وما ان انهار ذلك النظام المقيت حتى وجد الحمداني نفسه،  " زلمة" لآل برزاني، الذين اغدقوا عليه مالاً وفيراً، فكان ان انتج اطول سلسلة تلفزيونية تمجد زعيم العصاة، كما كان نظام الحمداني يطلق عليه، الملا مصطفى برزاني ، حيث اطلق على سلسلته المدائحية بـ " أسطورة الجبل ".

 

لم تنه مهمات الحمداني، حيث وجد ضالته فيما بعد في رجل إعمال شيعي عراقي من جنوب العراق، كانت تربطه صلات وثيقة مع نظام البعث، اسمه عون حسين خشلوك، الذي اسس قناة تلفزيونية اطلق عليها البغدادية، تولت مهمة تحريض الشارع الشيعي، وتهييج الرأي العام ضد التجربة الجديدة، وحين عرفت بوصلة الرجل ان مالك هذه المحطة، يبحث عن " زلمة " ينفذ مآربه، ويتولى تقديم مدائح التسبيح والتهليل، قفز الى حضنه، وراح يطل علينا بـ " جنجلوتيات" مطولة، تتحدث عن مناقب سيده، وفضائله التي لا تحصى ولا تعد، فكان ان اعاد الحمداني تقديم ذات فصول المديح، وانبرى يكذب بقدرته الفائقة على ذلك، حتى ادعى قبل ان ينتهي، ان " البغدادية " القناة تحولت الى تيار شعبي، يضاهي التيار الصدري او غيره من التيارات الشعبية! .

 

الحمداني ليس غبياً بالتأكيد، فمقابل حفلات التفاهة هذه، كان يحصل على اجر جيد جداً، ويعرف ان دوره  حتمآ سينتهي، وإن" خشلوكه" هذا سيدير وجهه عنه. لذلك راح يبحث له عن سيد جديد يمارس هوايته في " الاستزلام " الذي يتقنه، ويبدع فيه ! .

 

زلمة الخنجر !

 

لم تطل فترة انقطاع الحمداني طويلاً، بعد اغلاق البغدادية من قبل رعاتها، حتى اطل علينا، من " الفلوجة" هذه المرة، وهي قناة تلفزيونية يملكها رجل اعمال سني يدعى خميس خنجر، المتهم بصلات سابقة مع عائلة صدام حسين، ولاحقاً في علاقات وطيدة مع دول عربية، كقطر والامارات، اللتين مولتا من خلاله، ما سمي بالقائمة العراقية في انتخابات 2010، بمبلغ وصل الى 100 مليون دولار امريكي، لاعادة السلطة للسنة بعربة علاوي ! .

 

وحين فشل المشروع، انفض كل هولاء، وبقي الخنجر يبحث عن دور، لاسيما وانه لم يجد في من تعاقد معهم، ولاءاً كافياً لتسييده على الساحة السنية، ولعل الخنجر الذي دعم تمرد 2012 في المحافظات السنية، كان احد اهم عوامل الانقسام والعصيان بسبب ابعاده عن المشهد، وخروجه من المولد بلا حمص، فكان ان لعب بورقة " علي وعلى اعدائي".

 

يحاول الخنجر منذ عام 2014 والى الان ايجاد موطئ قدم له، وتثبيت زعامته السنية بأي شكل وأسلوب، ومنها الاساليب الناعمة، عبر مبادرات ودعم، او تخصيص وسائل اعلام ناطقة بأسمه، ومنها "الفلوجة" القناة، وهنا اكتشفت بوصلة الحمداني هذه الرغبة، فهرول ( للشيخ ) مسرعاً للبدء بفصل جديد من حكايته الطويلة.

 

 ولأن خميس خنجر يعرف ماذا يريد، وبماذا يفكر الحمداني الأسود - نسبة الى بدلته السوداء- فقد خصص له ساعةً تلفزيونية، يستضيف فيها بعض المسؤولين والسياسيين حسب رغبة القناة وتوجهاتها البعيدة عن اجندة البغدادية بالتأكيد، لكنها تلتحم معها في الهدف النهائي! .

 

التاسعة !

 

في التاسعة مساءاً كان الحمداني يتأهب لقرع طبول الولاء، وكان ان قدم على طبقه الساخن، وجبة مكثفة من تراتيل الولاء والسمع والطاعة، والمديح، فبشر مشاهديه بأنهم على موعد لقاء مع زعيم وطني لا مثيل له في الأرض، وراح يثني ويعظم، حتى طلب من منتجي الحلقة التلفزيونية، البدء بمراسم استقبال الزعيم الفاتح!، بالنشيد الوطني، وبتلك الفذلكات المستهلكة، بدأ انور الحديث، بإدعائه أن الخنجر لا علاقة له بالفلوجة القناة، وتلك تندرج تحت مفارقة " يكاد المريب ان يقول خذوني"، فمن سأل انور الحمداني عن ملكية القناة ليبرر ذلك، ثم راح يكيل لخميس المديح والتعظيم، ويخلع عليه الصفات والنعوت الهائلة، وكأنه يحاور زعيما وطنيا عظيمآ، ولا نعرف ما هي مواصفات الزعامة لدى حنجر، اللهم سوى المهارة في المتاجرة بالسياسة، والبيع والشراء في اسواقها. لذلك اتسم الحوار بينهما بالنفاق الواضح، ونحن واثقون من ان الخنجر ذاته يضيق ذرعاً بهذا النوع من التملق الرخيص الواضح، لكنهما كانا متفقين ضمناً على مبدأ " الكل يمثل على الكل "، وان الهدف هو ان يبثا شيئاً يرضي غرور المالك، ويقنع الحمداني بأنه ولج بالفعل عالمه الجديد، ليتوج كزلمة للخنجر، نازعاً عنه ثوب البغدادية وقائدها المؤسس! .

 

ما يؤلم حقاً، هو هذا الانحطاط القيمي في عالمي السياسة والاعلام، وكيف يرتضي من يحاول ان يكون ممثلاً للناس، باعادة انتاج سلسلة التملق البعثية بأساليبها الفجة، واعلامي يدعي انه ضمير الشعب والناطق باسمه، فتكون هذه الادعاءات جسراً للوصول الى غايات ذاتية رخيصة ودنيئة.

 

ختاماً نرى ان من الواجب تذكير الخنجر قبل غيره، وهو الذي بدا خطابه ميالاً للتهدئة، وباحثاً عن المصالحة، ويحاول ان يغير بوصلته الى الداخل، انك للأسف تخطئ باختيار هذه الطريقة في بث مثل هذه الرسائل وبهذه الوسيلة الحمدانية الفجة، وكان عليك البحث عن طريق اكثر اتزانا لايصال تلك الرسائل بدلاً من بثه عبر مقام ، اقل ما يقال عنه ان كان حفلة لتبادل الاكاذيب المكشوفة ! .

علق هنا