بغداد- العراق اليوم:
مخطئ من يعتقد إن هذا النصر الكبير، وهذا التحرير الذي مّن الله به على العراقيين، كان لحظوياً آنياً، أي ان اندفاع القوات العراقية المحررة كان وليد لحظة، او أنها مجرد فكرة راودت القيادة العامة للقوات المسلحة، وقطعات الحشد الشعبي، ومكافحة الإرهاب، واندفعت الى الموصل وتوغلت عشوائياً وصنعت لنا هذا الفتح العظيم !
بل يجافي الحقيقة والمنطق من يريد ان يجعل هذا النصر، مجرد 260 يوماً من القتال منذ انطلاق معركة التحرير، الى لحظة وقوف القائد العام والقادة العسكريين على منصة النصر في الموصل، وهم يتلون بيان تحرير الأرض العراقية، ابداً والله، فالمعركة كانت أبعد واكثر تفاصيلاً من هذا الذي ظهر في وسائل الاعلام، وتابعه العراقيون بشغف وتلهف، مع روعة وكبر ما قام به الابطال من كافة قطعاتنا الباسلة التي حققت النصر، الا ان منطق الانصاف والعدل يقتضي منا ان ننصف أولئك الذين اضطلعوا بالمهمة الأصعب، وصعنوا النصر على الأرض، بذكاء قل نظريه، وبعزيمة لا تقل عن أي مقاتل شرس، اذاق الدواعش ذلاً لم يكونوا يتصوروه ابداً !
نعم، ثمة رجال في الظل، كانوا يواصلون ليلهم بنهارهم منذ ثلاثة اعوام، وهي يعدون لهذه اللحظة، ويصنعون لها مقدمات نجاحها بسهر الليالي، وتضحيات للإسف تقتضي الضرورات ان تبقى سر الكتمان، نعني بهم رجال جهاز المخابرات الوطني العراقي، الذين لولا بطولاتهم، ودقة معلوماتهم، واستطلاعاتهم، ومتابعاتهم، ورصدهم لخطط الإرهابيين، سواء في الحافات الامامية للحرب، أو في الدول والمناطق البعيدة عن سواتر النار، وقد كان لعملهم هذا، ولشجاعة مواقفهم، التي وصلت حد رفع السلاح والإشتباك مع العدو وجهآ لوجه، الدور الكبير في انجاز النصر، مع الأخذ بنظر الاعتبار حجم التضحيات الجسام التي قدمها هذا الجهاز، والتي لولاها لكنا قد دفعنا أثماناً بشرية ومادية مضاعفة.
فرجال الجهاز البواسل، كانوا بالفعل العين التي تسبق يد العراق الضاربة، وكانوا الفدائيين الذين يتوغلون في عمق العدو، ليأتوا لإبطالنا بأدق التفاصيل عن تجمعات الدواعش، وقياداتهم ومقارهم،وكل ما يتعلق بالموصل المحتلة.
وكي نكون اكثر وضوحآ، فنحن نعرفُ الكثير عن البطولات التي تستحق ان تذكر هنا، لولا اننا نحجم عن ذلك، لاسباب تتعلق بأمن الجهاز، و برغبة قادته الابطال الذين يعملون بعيداً عن الاضواء، والمتعففين عن التبجح والبروز والتفاخر بالإنجاز، لكن نجاحاتهم التي تصنع الكثير من النور في طريقنا جميعا، تضيء اسماءهم، وافعالهم دون شك.
أن الانتصار الذي تحقق بفضل الله، وهمة الغيارى من مختلف صنوف الإبداع القتالي، كان في الحقيقة حصيلة ثلاثة اعوام ونيف من العمل الدؤوب، والعمل المخابراتي المحترف والمهني البعيد عن الأضواء، وقد اشادت بهذا الجهد الإستخباري الفاعل جميع الأطراف، بما فيها قيادة التحالف الدولي، والمخابرات السورية وغيرها، اذ كانت معلومات جهازنا الوطني من الدقة بمكان أنها مكنت من تكبيد الدواعش الكثير من قياداته. فبحسب احصائية نشرت فأن الجهاز بمعلوماته الدقيقة ساهم بقتل الصف الاول في قيادات داعش، ليس في العراق وحسب، بل في سوريا ايضا، وتعقب الكثير من مموليه في مختلف الدول، ولذا فأن النصر ابن شرعي لكل العراقيين، ولكل الاجهزة والتشكيلات العسكرية التي صنعته على الأرض، ولكن للأسف لاحظنا في غمرة الفرح والبهجة بالنصر، غياباً - وهو أمر غير مقصود حتمآ- لدور هذا الجهاز الوطني في الإعلام خصوصآ، ولذا ارتأينا في " العراق اليوم"، ان نوجه نيابةً عن العراقيين تحية خالصة لكل رجالات هذا الجهاز، من ابناء العراق وحماته، وان ندعو العراقيين المحتفلين بأن لا ينسوا هولاء الابطال من الدعاء لهم بالنصر الدائم، وتحقيق النصر الكامل على اعداء العراق، اعداء الدين والانسان والحياة.
*
اضافة التعليق