بغداد- العراق اليوم:
بدا لافتا في حينه، حين خرج على الشعب العراقي الشيخ همام باقر حمودي، رئيس لجنة كتابة الدستور في ٢٠٠٥، متباهياً عقب انجاز لجنته اعمالها بالقولِ ( إن هذا الدستور الذي كُتب الآن سيضمن عدم تشكيل أي سلطة مركزية قوية في العراق، فقد فتتنا السلطات بطريقة تضمن عدم وجود أي سلطة في البلاد) !!
هذا التصريح الذي ادلى به حمودي، مدعوماً بتأييد كردي، وتشفي سُني، كان يُراد منه حينها الوصولِ الى مبتغاه، فحمودي وما يمثلهُ كان مدفوعاً بهاجس الانتقام من فكرة الدولة في العراق ويريد تفكيكها بشكل نهائي ( وطبعآ فأن هذا الرأي لا يمثل الاغلبية الشيعية الطامحة بعراق قوي، حر، ديمقراطي).
أما سياسيو السنة فقد كان مبتغاهم الوصول الى حالة اضعاف الدولة وشرذمتها لإفشال سلطة الشيعة، ولتسهيل عملية الخروج من حكمهم، وهذا ما تحقق لهم فعلآ وواقعآ، الاكراد ونعني بذلك القوى السياسية الكردية، وليست الشعبية، فقد كانت ترفع شعار (إضعاف بغداد قوة لنا)، بمعنى ان الكل كان مجمعاً على الاجهاز على الدولة القوية في العراق وتحويلها الى كانتونات متناحرة فاسدة تستبد بها جهات وسلطات لا تجمع بينها رابطة، ولا تشترك في هدف .
هل كانت هذه المقدمة كافية لشرح خلفية صورة الواقع السياسي لعراق ٢٠١٧؟
عراق بلا سلطات قوية قادرة على تجميع قواه، وتوحيد رؤى شعبه، ومحافظات محتلة من عصابات قاتلة، وعصابات أخرى فاسدة، والفرق ان هذه ترتدي الزي الافغاني، وتلك ترتدي البدلات الغربية، وربطات عنق انيقة! وكلاهما يحتلان محافظات بقوة السلاح تارةً، وبقوة شرعية زائفة كُسبت عن طريق المال الحرام ، او اللعب على مشاعر المواطن البسيط واغرائه بأنه سينتصر ان انتخب تلك الفئة او هذه .
فما يجري الآن في مجالس محافظات ( البصرة، بابل، ذي قار، الانبار، صلاح الدين وغيرها من المجالس) كارثة حقيقية، تشي بأن دواعش يعبثون بمقدرات تلك المحافظات، وشعوبها المغلوبة على امرها، وما تفجر فضائح الفساد تباعاً، وانتصار سلطة القانون في البصرة والانبار وغيرهما، الا انعكاس طبيعي لنجاح البواسل في ضرب معاقل داعش في الموصل وبقية مدن العراق، فعبد الوهاب الساعدي وقبله القائد طالب شغاتي وعبد الغني الاسدي والبرواري وجنودهم، يضربون على رؤوس الفاسدين، قبل ان يضربوا على رؤوس الدواعش، فنحن نعرف ان هذه الحرب التي تخاض، هي نتاج بسيط من ننائج شرذمة السلطة، وضعف الحكومة منذ تأسيسها بعد سقوط نظام صدام حتى اليوم، فقد كانت عاجزة عن تحريك اطرافها، او استشعار تفشي الفساد فيها او العجز عن مكافحته في حال استشعرت به.
ما يجري في مجلس محافظة البصرة، وتفجر فضيحة محافظها الذي يريد قلب الكعبة، ويدعي ان فساده مشرعن من قبل جهات عليا، هو كارثة لا تقل عن كارثة خيانة اثيل النجيفي في بيع الموصل بثمن بخس، كما ان ما يجري الان في مجلس ذي قار من استشراء لحالات الفساد، وبيع اعضائه لمدير بلدية فاسد انفق عدة مليارات على اولئك الاعضاء لشراء سكوتهم، وتفجر فضيحة عضو الفضيلة حسن وريوش بتسجيل صوتي يكشف فيه هو الآخر، انه لا يشتري الصحافة (بزبانة)، وان حزبه يتحكم بالقضاء الاداري ويتلاعب به كالخاتم، وصولاً الى فضيحة محافظ بابل الذي ادانه القضاء العراقي بالجرم المشهود، وصولاً الى اكبر الفضائح في تاريخ هذه الحلقات الزائدة ( مجالس المحافظات) نعني فضيحة مجلس الانبار والقرار القضائي الذي صدر باعتقال جميع اعضاء السلطة التشريعة والمحافظ بسبب تورطهم بسرقة اموال الدولة ونهب مقدرات المحافظة، كل هذه الفضائح مجتمعةً كانت خير نتاج لنبوءة ( حمودي) وتباهيه بتفكيك الدولة واضعاف سلطاتها.
ختاماً لابد من التذكير بأن خطر الفساد في مفاصل العراق ومحافظاته لا يبشر بخير، فهو يهدد بكوارث لا تقل عن كارثة الموصل، مالم تتخذ السلطات المركزية في بغداد اجراءات انقاذية، واطلاق حملة (قادمون أيها المفسدون لإستئصالكم حتى وان استندتم على قاعدة شرعية مزيفه منحها لكم حمودي ومن هم على شاكلته .
*
اضافة التعليق