بغداد- العراق اليوم:
ليس مفاجئاً لمن كان يتابع الوضع الخليجي، اندلاع مثل هذه الحرب الإعلامية المستعرة، والتلاسن الذي فاق حدوده الدبلوماسية بين السعودية والامارات ومن يغني ضمن جوقهما من جهة، وبين قطر وحلفائها من جهة اخرى، فالتنافس كان على اشده منذ استقلال دولة قطر ١٩٧١ والى يومنا هذا، على امرين، الأول حلم ال سعود بضم مشيخة قطر اليها، وحين فشلت في تحقيقه، راحت تعمل على تكريس نفسها كقوة خليجية كبرى في المنطقة، او ما يسميه جورج اوريل ب " الأخ الأكبر"، الا ان نزوعاً قطرياً متنامياً منذ العام ١٩٩٥ والى الآن، بدا انه مزعج جدآ للسعودية، تمثل في اخراج قطر من دائرة " الشهوة السعودية" لضمها، الى بروز قطب خليجي، يمارس دورآ مزعجاً للمملكة الهرمة، كما يقول الباحث في مركز الجنوب للدراسات حيدر الناصري الذي يرى ان " السعودية كانت فيما مضى تنتهج سياسية الاحتواء، والتنازل عن شيء من نفوذها، برغبة امريكية لقطر، لتلعب دوراً لا يمكن للسعودية التقليدية ان تلعبه".
السديرية، صقور امريكية !
واضاف " لكن تحولاً راديكالياً حدث بعد استلام السديرية - أي سلمان وابنه وابن اخيه محمد بن نايف- زمام الحكم، اذ يميل هولاء القادمون من مناصب عسكرية وامنية الى انتهاج سياسة الاحتواء العنيف، او الفرض الاستراتيجي لتمرير سياسات المملكة الجديدة في ادارة نفوذها الخليجي اولاً والعربي ثانياً".
ويشير الناصري في حديث ل" العراق اليوم" الى ان " كلا البلدين قطر والسعودية، كانا على مدى الاعوام السابقة، يلعبان في المحظور، لا خطوط حمراء في توسيع مناطق نفوذهما، لا ثوابت في تسابقهما لصناعة امتدادات موالية لهما، بمعنى، كانت السعودية بمالها الوفير، تدعم بكل ما اوتيت من قوة اشد الجماعات ارهاباً وبطشاً في شتى البقاع، والكل يتذكر السخاء السعودي في دعم ما سمي بالمجاهدين الافغان ، وما تلاها من جماعات ارهابية..
ويضيف " اذا ما قرأنا بمدى تاريخي بسيط، واقع الاحداث في المنطقة، فسنكتشف، ان سياسة السعودية، كانت قائمة على تسييس ادارة الحروب بالوكالة او مايسمى (الحروب بالانابة)، واذا ما عرفنا ذلك، فعليك ان تتخيل اي جماعات تتعامل معها السعودية في تنفيذ تلك المخططات الوسخة"!
ويتابع " للسعودية تاريخ اجرامي بشع في تمويل اشد الحركات ارهاباً وترويعاً حول العالم، والكل يتذكر دورها في افغانستان وباكستان واليمن ولبنان وسوريا واثيوبيا وغيرها من الدول الافريقية، وصولاً الى العراق الذي كانت و لا تزال دوائر القرار السعودية تعده المنافس الحيوي الوحيد لنفوذها في منطقة الخليج العربي، والشرق الاوسط عموماً"
ويردف الناصري: " لقد كان الدور السعودي بعد ٢٠٠٣ في العراق، الاكثر ارهاباً من غيره، والاكثر خطورةً وتدميراً من خلال تبنيها لكل الجماعات الارهابية التي قتلت عشرات الآف من العراقيين، تحت دافع طائفي واضح، وبتمويل سعودي -خليجي أوسع، ولذا فأن السعودية التي تنادي اليوم بمكافحة الارهاب، وايقاف الدعم القطري له، لا يهمها ذلك بالفعل قدر ما هي مهتمة بإزاحة اي منافس لها على تبعية الجماعات الارهابية التي تريد ان تتحكم لوحدها بكل خيوط ادارتها، وهذا صراع وجودي، فقطر تتنفس الآن من بوابة الجماعات الارهابية، مثلما تتوسع مملكة ال سعود عبرها سابقاً وحتى الان ".
اختلاف القتلة
فيما يشير الدكتور عبد الكريم نجم، المتخصص في العلوم السياسية، الى مفارقة واضحة فيما يحدث الآن بين السعودية ومن يقف خلفها من جهة ، وقطر من جهة اخرى، وهو ما يمكن تسميته ب" اختلاف القتلة"، وهذه هي الفرصة الوحيدة للضحايا لان يثبتوا قتلتهم بعد ان صمت الكثير من مراكز القرار ومنظمات حقوق الانسان اذانها عن اهاتهم فيما سبق، لشتى الدوافع ومختلف التبريرات.
ويشير نجم في حديث مع "العراق اليوم " الى ان "ما يحدث الآن هو عملية فضح متبادل لادوار دعم الارهاب في المنطقة والعالم، من قبل ابرز داعميه ومموليه، وهما النظام القطري والسعودي اللذان، يختلفان الآن على النفوذ وكسب الود والرضا الامريكي اكثر من اي شيء اخر في حقيقة الامر".
ويشير ايضاً الى ان " السعودية مدانة اكثر من غيرها في عمليات تشكيل المجاميع الارهابية وتمويلها في العراق وسوريا، واذا ما كانت ثمة دبلوماسية عراقية نشطة، فالفرصة مؤاتية جداً لمسائلة السعودية دولياً عن دورها التخريبي في العراق، وان على الحكومة العراقية، مواصلة جهودها في سبيل اثبات تلك العلاقة المحورية بين جماعات العنف والتكفير التي استباحت العراق، وحكام السعودية، تمهيداً لاحالتهم للمحاكم الدولية".
ويلفت الى " خطورة التعاطف العراقي مع الحرب الكلامية، ضد قطر، حيث ان هذا يمكن ان يساهم في اضعاف واسكات شريك قاتل في الكشف عن المجرم الاكبر في المنطقة برمتها".
ويضف " هذا لا يعني ان يتجه العراق ايضاً للمحور القطري - التركي، قدر ما على العراق ان يستغل هذه الحرب لاضعاف كلا الجبهتين، واثبات دعمها للارهاب، والضغط باتجاه ايقاف تمويله في العراق على الاقل".
*
اضافة التعليق