بغداد- العراق اليوم:
كتب : جعفر العلوجي
آليتُ على نفسي في هذه المرحلة المصيرية الحرجة جدًا أن أبتعد عن السياسة وكل ما يدور في فلكها ، لا من بعيد ولا من قريب فكل ما نجنيه منها نحن البسطاء هو مزيد من الضغط ، والمرض ، والشد العصبي مع كل من نلتقيه . لكن ما إن تخرج لتتمشى قليلًا ، أو تستمتع بنسمة خريفية منعشة ، حتى تفاجئك آلاف البوسترات الانتخابية التي تزاحم أنفاسك على الأرصفة وجوه ترتدي ربطات عنق وابتسامات مصطنعة ، وشعارات كلاسيكية أكل عليها الدهر وشرب ، منذ أيام الراحل فريد شوقي وأهزوجة (تنتخبوا مين؟) . وما أن تمشي خطوات قليلة ، حتى يقتنصك أحد الأصدقاء أو الجيران ، ليسألك بسذاجة مقصودة : "منو راح تنتخب؟" ترد – كأي مواطن متردد مثقل بالخيبات –: "ما قررت بعد ، بعدني محتار" لكن صاحبنا يبتسم ابتسامة صفراء ، فيها من الخبث أكثر مما فيها من البراءة ، ثم يهمس وكأنه يقدم لك اكتشاف القرن : "عدنا واحد خوش آدمي ، فقير وما ياكل حرام ... بس إنت بكيفك!" عندها تفقد أعصابك وتقول في نفسك : هل يكفي أن يكون المرشح "خوش آدمي" حتى يصلح بلداً مثقلا بالأزمات؟ وإن كان "خوش آدمي" فعلا ، فماذا يفعل وسط دهاليز السياسة ومستنقع المناصب ؟ هذه المشاهد تتكرر يوميا ، وكأننا أسرى لحالة عامة من الضبابية نعيشها جميعا . شعب يعرف كل شيء من ألف البرلمان إلى يائه ، ومن يديره ، ومن يحركه ، وما دور الكتل وقوتها وتأثيرها ومع ذلك ، عيد ذات الدورة كل مرة ، ونقنع أنفسنا بأن "الخوش آدمي" هو الحل . لكن الحقيقة أبعد من تبليط شارعٍ فرعي ، أو نصب مولدة، أو مدّ أنبوب ماء ثقيل . المسؤولية أكبر ، والمشهد أخطر ، ولا يمكن اختزاله في شهر من الدعاية الانتخابية البائسة ، ولا في مرشحين صار ظهورهم نسخة مكررة بين : من يرتدي القاط والرباط (أبو أربعين ألف)، وتلك المرشحة التي أخضعت صورتها لكل فلاتر الكون لتبدو كعارضة أزياء فرنسية ! يا سادة ، لا يمكن تقزيم عقولنا وتصوراتنا إلى هذا الحد السياسة ليست اختبارا في "الأخلاق الشخصية" بل مسؤولية وطنية ، تحتاج كفاءة ، وجرأة ، ووعيا بمصالح الناس . أما "نظرية خوش آدمي" فهي باختصار واحدة من أخطر الوصفات التي أدمنا تكرارها دون أن نتعلم من نتائجها .
*
اضافة التعليق
التجارة تحجب البطاقة التموينية عن نصف مليون مستفيد ضمن وجبة جديدة
أمانة بغداد تكشف الوضع المائي في العاصمة
العمل تطلق المنحة الطلابية
القضاء يصدر حكماً بالمؤبد على قيادي في حركة العلاهية
النقل تكشف موعد تشغيل مطار الموصل
الدكتور القريشي ايقاع الاخلاق على مسرح العلم والابداع