بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
صرخ لويس الرابع عشر في القرن السابع عشر في وجه وزرائه قائلاً: "أنا الدولة."
كانت العبارة حينها إعلاناً ملكياً عن سلطةٍ مطلقة لا ينازعه فيها أحد، لكنها رغم طغيانها، بقيت جزءاً من زمنها، زمن الملوك الذين ظنّوا أن الله منحهم مفاتيح الأرض والبشر.
اليوم، وبعد ثلاثة قرون من تطوّر الفكر السياسي، يخرج علينا من يسرق الشعار ذاته ويقدّمه بثوبٍ جديد، انتخابي: "نحن الدولة."
الدولة، في جوهرها، ليست شعاراً انتخابياً ولا لافتة تزيّن بها القوائم حملاتها، بل هي فكرة كبرى في تاريخ الاجتماع البشري، ثمرةُ توازنٍ معقّد بين السلطة والمجتمع، بين القوة والحق، بين القانون والإرادة الشعبية.
وُضعت للدولة معانٍ تتجاوز حدود الأشخاص والمؤسسات عبر قرون من الفكر السياسي، من أرسطو حتى ماكس فيبر. فهي الإطار الذي يُنظّم الحياة المشتركة، ويحتكر العنف المشروع، ويضمن الأمن والعدالة والمواطنة. الدولة هي الباقية حين تتبدّل الحكومات، والتي يفترض أن تكون فوق الجميع، لا أن تُختصر في أحد.
من هذا المنظور، حين ترفع قائمة انتخابية شعار "نحن الدولة"، فهي ترتكب خطيئتين:
الأولى فكرية، لأنها تجهل أن الدولة كيانٌ قانوني ومؤسسي لا يُختزل في حزب أو تيار أو مجموعة أشخاص.
والثانية أخلاقية، لأنها تصادر حق الناس في أن يكونوا هم الدولة، أي أصحاب السيادة ومصدر الشرعية.
الدولة الحديثة، كما تُدرّس في أبسط كتب القانون الدستوري، تقوم على ثلاثة أركان: شعبٌ، وإقليمٌ، وسلطةٌ سياسية. ويضيف بعض المفكرين عنصراً رابعاً هو السيادة، أي قدرة الدولة على اتخاذ القرار الحر داخل حدودها دون تبعية. فكيف يمكن لقائمة، مهما بلغ نفوذها، أن تختصر هذه العناصر الأربعة في نفسها؟ هل هي الشعب كله؟ أم الأرض كلها؟ أم السلطة بكل مؤسساتها؟
شعار "نحن الدولة" يكشف عن ذهنيةٍ استحواذية، ترى السلطة ميراثاً لا تكليفاً، وترى المواطن تابعاً لا شريكاً. منطقٌ يختزل الدولة في جماعة، ثم الجماعة في زعيم، ثم الزعيم في ظلٍّ يظنّ نفسه قدر البلاد.
وهذا بالضبط ما حاربت ضده كلّ الثورات الحديثة، من الثورة الفرنسية إلى انتفاضات الشعوب التي بنت دولاً ديمقراطية، على وفق فكرة أن الدولة ليست ملكاً لأحد، بل هي عقدٌ اجتماعي بين الناس، مؤسَّس على المساواة والحقوق، لا على الولاءات والانتماءات الضيّقة.
من يقول "نحن الدولة" يعلن ضمناً نهاية المواطنة، لأن المواطن في هذه المعادلة يصبح تابعاً للدولة لا شريكاً فيها. ومن هنا، يتحوّل الشعار من دعايةٍ انتخابية إلى وعد بالاستبداد، مغلَّفٍ بلغةٍ انتخابيةٍ ناعمة. لكن الدولة الحقيقية لا تُختصر في أحد، بل تُبنى بتوازنٍ دقيق بين السلطات، بسيادة القانون، وباحترام إرادة الناس.
لويس الرابع عشر قالها وهو يؤسّس إمبراطورية، وهؤلاء يكرّرونها وهم يطلقون دعايةً انتخابية. وشتّان بين ملكٍ يحكم أوروبا، وقائمةٍ تبحث عن مقعد برلماني.
أخيرا .. يجدر بمن يرفع شعار "نحن الدولة" أن يضيف تحته: "ونحن أيضاً سبب خرابها."
*
اضافة التعليق
الاتصالات تحظر لعبة روبلكس في العراق
خطة حكومية لإنشاء 16 مشفى جديد في بغداد والمحافظات
الإعلام والاتصالات تمنع برنامج رياضي شهير بسبب المحتوى
العمل تكشف سعيها لتخفيف الإجراءات لتوسيع قاعدة المشاريع الصغيرة
الرقابة المالية تكشف حجم ديون شركات الهاتف النقال
اتحاد نقابات عمال العراق يصدر بياناً حول محاولات خصخصة القطاع العام