ترامب يشرُّم أُذن و( تراچي ) شَرْم الشيخ ..

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

في مؤتمر ( السلام ) الذي عقد في (شرم الشيخ) يوم أمس الأول، لمس العالم بشكل واضح، داء الغرور، وجنون (العظمة) لدى الرئيس الأمريكي ترامب.. فقد برزت وتضخمت لديه ( الأنا ) بأكبر أورامها، وأقبح صورها لاسيما في تصرفاته وانفعالاته، وخطاباته، وإيماءات جسده، وحركاته، سواء بحركة وجهه وعينيه ورأسه، او بحركة يديه وكتفيه، وطبعاً فإن أغلب هذه الإيماءات والحركات، بلهاء بلا معنى، لا تدل إلا على حالة مرضية فاضحة، وهذا ما سيفتح الباب برأيي حول حالته الذهنية وسلوكياته الغريبة.

وإذا كان الجمهور الأمريكي بمختلف قطاعاته قد لاحظ سلوك ترامب الغريب هذا، وشخّص حالة الغرور لديه  في الشهور الأخيرة خاصة بعد نشره فيديوهات غير لائقة، ثم يعود بعد ساعات لحذفها دون أن يفسر سبب نشرها وأسباب حذفها، وهي تصرفات لا تتلاءم مع موقع وشخصية  رئيس دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية!!

فإن ما يطلقه ترامب من تصريحات غامضة، وما يفعله من أخطاء متكررة.. جعل المحللين يشككون بسلامته العقلية والذهنية.

مما دفع عضوة الكونجرس الأمريكي مادلين دين تصفه بأنه " مريض وغير متزن " ..بل أن البعض طالب بعرضه على لجنة طبية متخصصة لكشف حالته العقلية، إذ ليس من المعقول أن تجد رجلاً في الثمانين من عمره، يحمل على أكتافه مسؤولية أمن وسلامة البشرية، يتصرف بمثل هذه التصرفات الصبيانية، ويقوم بمثل هذه الأفعال الخطيرة !!

لقد سِقتُ هذه المقدمة من أجل أن يعرف القارئ أن سلوك وأفعال وغرور وغطرسة ترامب التي ظهرت في اسرائيل وشرم الشيخ يوم الاثنين لم تكن مصادفة ولا إخفاقة أو هَنَة وحيدة، أو هي غلطة ربما حدثت سهواً، ولا حتى ( تحويلة مؤقتة) إنما هي شيء مغروس في أعماقه، ومرض متفشٍ في نواحي جسده، بعد أن انتشر ورمه في كل خلاياه .. وحين جاء ترامب إلى اسرائيل ومن ثم إلى شرم الشيخ، فإنه جاء محملاً بكل هذه الكوارث السايكولوجية، والمرضية، وقد ازدادت ورماً وفظاعة يوم أمس الأول حتى باتت واضحة جداً للعيان .. فمثلاً حين دخل ترامب قاعة ( الكنيست الصهيوني) في تل أبيب، دخلها متبختراً كالطاووس المغتر، والقى فيها خطابه المزدحم بالأنا والنرجسية البغيضة، واطلاق الإتهامات والمغالطات والشتائم لهذا الطرف ولذاك بحيث لم يسلم من لسانه صديق ولا عدو.. وبالمقابل فقد كالَ مديحاً مجانياً لنفسه، وعائلته ولأصدقائه الأغبياء، كما امتدح عدداً من القتلة والمجرمين، من بينهم (نتنياهو)، الذي وصفه بصفات هو يعلم قبل غيره أنها غير صحيحة، وأن  الاسرائيليين لا يصدقونها ولا يعترفون بها، فكيف إذاً سيصدقها العالم الحر ؟!

أما كذبة الحروب الثمان التي أنهاها وأطفأها ترامب حسب ادّعائه في خطاباته أمس الأول، فهي فضيحة الفضائح، إذ لا أحد يعرف من هي الحروب التي أنهاها ترامب!.. بخاصة وان حرب غزة التي يتفاخر بإنهائها لم تنته بعد،  فهو الذي ترك فيها عشرات القنايل  والألغام، أبرزها ( قنبلة ) قوات حماس وسلاحها الذي ترفض تسليمه، و(قنبلة) اليوم الثاني بعد الحرب في غزة، و( قنبلة) عدم اعتراف الصهاينة بحل الدولتين، وغير ذلك من القنابل القابلة للتفجير ! 

أما في قمة شرم الشيخ، فقد لعب ترامب ( طوبة ) في المؤتمر، وجعله مسخرة وملطشة أمام أنظار العالم، بعد أن أهان أغلب الحضور وأحرج عدداً غير قليل من القادة، كان من بينهم الرئيس السيسي، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، و رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس وغيرهم .. وحسناً فعل رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، الذي نجح في كسب الاحترام لنفسه وبلاده، حين تحاشى تماماً الاحتكاك بترامب والتحدث معه بشكل شخصي مفضلاً الوقوف في آخر المشهد الفنتازي الاحتفائي، مكتفياً بصورة تذكارية واحدة طلبها ترامب ولم يطلبها السوداني ..

لقد كان المشهد في قمة شرم الشيخ احتفالياً اختزل جميع رهانات وتناقضات وأكاذيب ترامب، وأكبرها كان إعلانه عن " يوم عظيم للشرق الأوسط" وتأكيده أن وثيقة وقف الحرب في غزة "شاملة تحتوي على جميع القواعد واللوائح الخاصة بتطبيق الاتفاق"، بينما العالم كله يعرف أن هذه الوثيقة لم تكن سوى وثيقة لاتفاق وقف إطلاق نار ، وليست وثيقة سلام شامل وعادل !

لقد اختصر ترامب الأمر بتصريح عن حفيدته، قال فيه" إن مشهد حفيدته وهي تسأله عمّا يريد تحقيقه، والذي ردّ عليها بأنه يريد أن يكون "أعظم رئيس"، وهذا لعمري، كافٍ لتلخيص نظرته إلى العالم عبر تثبيت صورته وزعامته الشخصية في الذاكرة العالمية والتاريخية.

لقد انتهت قمة شرم الشيخ كما بدأت، بعناوين كبيرة، وصور جماعية، لكن بدون إجابات قاطعة، ولا ضمانات مأمونة، ولا حتى جداول زمنية معلنة، أو آلية تنفيذ تقيها من أن تتحول إلى بيانٍ آخر يعلّق على جدار التاريخ - كما يقول الكثير من المحللين العرب-، حتى أن أحدهم وصف القمة بأنها عرض بائس لترامب أكثر مما هي محطة سياسية شرق اوسطية متكاملة .. ورغم كل بهلوانيات ترامب، فإن المثل الشعبي القائل: بأول شيخته وشرّم تراچيها، ينطبق عليه تماماً .. فهل شرّم ترامب أذن و( تراچي ) شرم الشيخ فعلاً ،  أم أن الرجل (بوخه وفارغ جداً)؟