بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة
فالح حسون الدراجي
قبل عام وفي مثل هذا اليوم، غاب السيد حسن نصر الله متزيناً بوسام المجد والرفعة والخلود، ومتوجاً بتاج الشهادة الذي لا تظاهيه كل تيجان الأرض. غاب ( السيد) فغابت بهجة الفرح، ولذة السهر، وروعة الشعر والموسيقى، ومتعة ذلك الحديث الذي كان يطربنا السيد بعاميته اللبنانية العذبة، وعربيته الفصيحة (المضبوطة) والرشيقة جداً جداً .. غاب السيد، فأغلقت بغيابه نوافذ الصباح حتى تلاشى الضوء، و ضاعت معه تباشير الفجر التي كان السيد يوقضها بيديه الكريمتين المباركتين قبل أذان الفجر وهطول الندى.. حتى (مزاجنا) الذي كان رائقاً قبل رحيله، لم يعد كذلك بعد فقده.. فأي مزاج يروق حين يغيب الصباح ويرحل الفجر وتذهب شمس لبنان التي كانت تضيء الضاحية والجنوب والبقاع والبحر والروشة، وتسطع لامعة في صباحات فيروز البيضاء ؟! كيف ( يستعدل ) المزاج ، وزياد الرحباني يرحل حزيناً بل هو يصر على الرحيل عن هذه الدنيا - مادام السيد قد رحل عنها - ؟! فالسيد الذي أنشد له زياد (هذا السيد)، قد تيتمت برحيله الأناشيد والقصائد، والسمفونيات، وترملت مواويل وعتابا لبنان كلها ..- بالمناسبة فإن السيد لم يمنع الغناء مثل غيره من رجال الدين، ولم يحرم اغاني فيروز، بل يقال إنه يسمعها أحياناً- لقد مرت سنة كاملة، سنة لم يذق فيها (المقاومون) غير طعم الفراق والأسى والوجع والفجيعة، وهذا الأسى لم يصب المقاومين فقط في مواقع الضاحية والجنوب والبقاع، إنما في ( مواقع الثورة والمقاومة ) بكل ( ضواحي ) العالم و( جنوباته ).. !! سأعترف لكم اليوم، وأقول مفجوعاً، وليس يائساً أو مهزوماً لاسمح الله، أقول: إن الصهاينة كسروا قلوبنا، وأدموا مهجتنا، وأوجعوا نفوسنا بقتل السيد دون شك .. وطبعاً هم لم يوجعونا نحن العراقيين فحسب، إنما اوجعوا كل الأحرار والمقاومين والثوار في العالم، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين او لا دينيين، فالثورة والمقاومة والحرية وهج أممي انساني لا يحمل جنسية قطرية، ولا هوية قومية، ولا أي عنوان سياسي أو ديني معين سوى عنوان (الحرية أو الموت) من اجلها .. فمن يد جيفارا الى يد هوشي منه الى يد سلام عادل، ويد نيلسون مانديلا الى يد حسن نصر الله، يتنقل مشعل الحرية لاهباً، وكلما يتضاءل ضوء مشعل الثورة ينبري مشعل آخر، باذلاً دمه زيتاً لديمومة وهج مصباح الثورة والمقاومة والحرية.. أعترف لكم اعترافاً أخيراً.. نعم، لقد خسرنا السيد، وخسرنا بخسارته الأمل العظيم، حتى صار طعم النصر في أفواهنا - إن تحقق-،مراً كأنه طعم الهزيمة.. وصار الأمل كما يبدو شبحاً بعيداً، لكنها خسارة معركة واحدة - وليست خسارة الحرب كلها، رغم علمنا أن هذه الخسارة فادحة، بل وفادحة جداً . !! وأعرف أن إعصار فقدان السيد قد ضرب المقاومة ضربة عنيفة، ضربها في صميمها وروحها وعزمها، حتى كأنك ترى المقاومة بعده بلا روح، ولا عزيمة !! ربما لن ينتصر لبنان في مواجهة الصهيونية بعد السيد، على اعتبار أن سيد المقاومة يرقد تحت التراب، ولكن يجب أن نعلم أن القادة العظماء لن يمضوا الى أبديتهم دون أن يرثوا للأحرار والثوار أقماراً مضيئة تنير لهم ميادين نضالهم، ودروساً ساطعة تضيء دروب مسيرتهم التحررية .. فهم كالأنبياء لا يورثوا أبناءهم مالاً دنيوياً، بل ورّثوا لهم العلم والتقوى وجذوة الإيمان بالحرية والسلام..! لذلك تجدني متفائلاً ومؤمناً بأن ثمة ( شيئاً ) عظيماً، وتراثاً منيراً قد تركه السيد لمن يكملون مسيرة الحرية والمقاومة والثورة من بعده .. فالثورة ليست في العراق ولبنان وغزة واليمن فحسب، إنما هي في كل مكان من هذا الكوكب، وإذا ما أطفئ لهبها في الضاحية، فستلهب حتماً من امريكا اللاتينية، أو من جنوب افريقيا، بل ومن قلب تل أبيب ذاتها .. ولو هُزمنا اليوم - افتراضاً - فإننا لن نُهزم غداً قطعاً، بل وسننتصر بعد غد، هكذا علمتنا حقائق الحياة وبديهياتها، وكما أرشدتنا التجارب والمبادئ الثورية، وقبلها دماء الشهداء .. ختاماً: قاتلوهم أيها الثوار والمقاومون شرط أن تجعلوا تراث (السيد) وطهر دمه، واستثنائية ثوريته، جداراً يحمي ظهوركم.. وستنتصرون .. ستنتصرون وأضمن لكم النصر مية بالمية بل مليون بالمية ..
*
اضافة التعليق