بين الفساد والتضحية أبطال المرور  ( أيادي بيضاء شبيهة بثيابهم )

بغداد- العراق اليوم:

بقلم الفريق الدكتور 

سعد معن 

رئيس خلية الإعلام الأمني 

قيادة العمليات المشتركة 

ولا تزر وازرة وزر اخرى مبدأ قرآني عميق يؤسس لعدالة اجتماعية قائمة على المسؤولية الفردية ويرفض التعميم والوصم الجماعي وإذا ما تم توظيف هذا المبدأ في تحليل واقعنا العراقي المعاصر فإننا نصل إلى نتيجة أساسية وهي ضرورة التفريق بين الفاسدين كأفراد وبين المؤسسات ككل إذ لا يجوز أن يتحمل المجتمع أو جهاز بأكمله وزر أفعال محدودة مهما كانت خطورتها

لقد شهدنا في الآونة الأخيرة قرارات وإجراءات حكومية بحق المرتشين والمتورطين في الفساد وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل مقاطع مصورة فضحت هذه التجاوزات وهو أمر مهم لتعزيز الرقابة الشعبية لكنه في الوقت ذاته قد يفضي إلى وصم اجتماعي شامل إذا ما تم اختزال صورة الدولة أو القوى الأمنية بمجموعة أفراد خرجوا عن المسار الصحيح ومن منظور علم الاجتماع فإن الوصم الجماعي يشكل خطرًا على التماسك الاجتماعي ويؤدي إلى اهتزاز ثقة المجتمع بنفسه وبمؤسساته

إن القوى الأمنية العراقية ليست مجرد موظفين أو عناصر إدارية بل هي تاريخ ممتد من التضحيات فقد كانت في مواجهة مباشرة مع أخطر تهديد شهده العراق في العصر الحديث حين اجتاح تنظيم داعش الإرهابي مدنًا واسعة وقف رجال الأمن والجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي جنبًا إلى جنب ودحروا الإرهاب بأثمان باهظة من دمائهم وحياتهم وكانوا بذلك سور الوطن المنيع أمام الانهيار الأمني والسياسي والاجتماعي وعلى الرغم من كل الضغوط والتحديات لم تهتز صورة هذه القوى أمام المجتمع الداخلي الذي رأى أبناءه يضحون في ساحات القتال ولا أمام المجتمع الخارجي الذي شهد قدرة العراقيين على حماية أرضهم وصون سيادتهم

إن الخطاب الإعلامي المسؤول يجب أن ينطلق من قاعدة لا تزر وازرة وزر اخرى أي أن يُعالج الفساد الفردي بشجاعة ووضوح لكن من دون أن يُسقط هذا الفساد على صورة المؤسسة الأمنية التي بقيت صامدة في أصعب اللحظات ومهما انتشرت مشاهد الرشوة أو الممارسات السلبية يبقى واجب الإعلام أن يوازن بين فضح التجاوزات وإنصاف المضحين فالتعميم هنا ليس فقط ظلمًا للفرد النزيه بل هو ظلم للتاريخ كله وللذاكرة الجمعية التي لا ينبغي أن تنسى أن من حمى الوطن بالأمس هو نفسه الذي يقف اليوم تحت الشمس وفي الطرقات لينظم الشارع ويحافظ على النظام

إن العدالة الاجتماعية والإعلامية تقتضي أن نُبقي صورة القوى الأمنية راسخة متماسكة في أذهان الناس وأن نربط بين الماضي البطولي والحاضر الخدمي فنُحاسب الفاسدين حيثما وجدوا لكننا في الوقت نفسه نرفع من قيمة من ضحى وبذل لأن العراق الذي دحر الإرهاب لا ينبغي أن يسمح بأن تُختزل مؤسساته بضعف بعض الأفراد بل يجب أن يبقى منصفًا يحفظ لكل ذي حق حقه ولكل مضحي مكانته في الذاكرة والوجدان .

تحية حب لرجال المرور

علق هنا