ظل البيت لمطيره .. وطارت بيه فرد طيره"

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

أمس، وأنا اتابع عبر شاشة التلفاز، جلسة الاجتماع الطارئ التي عقدها مجلس الامن الدولي في مدينة نيويورك، لمناقشة العدوان الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، واستماعي للخطاب الوقح الذي ألقته ممثلة الولايات المتحدة في المجلس، وكلمة المندوب الاسرائيلي، الممتلئة تملقاً، وصفاقة، شعرت بحنق، وغضب شديدين، أفقداني صوابي، حتى كدت اخلع حذائي، وأعيد ما مافعله الزعيم السوفياتي (خروتشوف) في هيئة الأمم المتحدة قبل خمسة وستين عاماً، لكن بضرب شاشة تلفاز بيتنا وليس منصة الأمم المتحدة بنيويورك !

وصدقاً أقول إني حاولت قذف التلفاز بحذائي،وضرب رأسَي مندوب الكيان الصهيوني ومندوبة امريكا، حتى لو تهشمت شاشة التلفاز الغالية التي جلبتها للأولاد قبل أيام، إذا كان ضربها ينفس من غضبي ويفشّ غليلي ..!

لقد استفزني غرور وتعالي ممثلة أمريكا، وهي تستعرض ( عظمة ) العملية الأمريكية، وقوة الرئيس ترامب وصواب قراراته، إلى آخر الكلام الذي لا يختلف عن بعضه ! 

كما أزعجني أيضاً غباء ممثل الكيان الصهيوني وهو يتفنن في التملق لأمريكا والرئيس ترامب، بحيث لم يخفِ ( دونيته ) ولا حقيقة بلاده العدوانية، وما تضمره دواخله لإيران والشعوب الحرة المستقلة. 

تصوروا أن هذا المندوب الصهيوني يطالب العالم بتقديم الشكر للرئيس دونالد ترامب، و أمريكا.. لماذا ؟  

لأنها قصفت إيران بالقنابل! 

نعم هكذا أراد داني دانون مندوب كيان (تل أبيب)  بكلمته في مجلس الأمن الدولي، بل ويقول بوقاحة أيضاً : (شكراً شكراً لدونالد ترامب على تحرّكه العظيم في الوقت الذي تردد فيه الكثيرون".

ولما انتهى مندوب اسرائيل داني دانون من كلمته المملة، تنفسنا الصعداء حقاً، فقد خنقنا هذا الصهيوني، وكتم انفاسنا بظله الثقيل .. الثقيل جداً.

وهنا توقعت ان ينبري بعده المندوب الصيني أو الروسي أو حتى الفرنسي، فيتصدون لعنجهية مندوبة امريكا، وبذاءة مندوب اسرائيل، لكن هذا لم يحدث للأسف ..!

فقد كانت كلمات أغلب المندوبين عادية وباهتة جداً، بل أنّ بعضهم تحدث بلغة مواربة ومنافقة أكثر من المعتاد، فيها الكثير من المجاملة لأمريكا واسرائيل، بما في ذلك كلمة مندوب الصين الهزيلة والضعيفة..!

أما كلمة المندوب الروسي فقد كانت كلمة قوية بعض الشيء، فيها تنديد واضح وصريح للعملية الأمريكية التي طالت المنشآت النووية الإيرانية، كما ظهر في سطورها نقد لمجمل سياسة أمريكا واسرائيل، وتعاملهما مع المشكلة الإيرانية ومشاكل أخرى، لكن المندوب الروسي لم يبد أو يعلن في كلمته التي تابعها مئات الملايين في العالم، أي تعهد بدعم فعلي، وتقديم مساعدة مادية ومعنوية لإيران  في هذه المعركة.. سواء أكان الدعم والعون عسكرياً، أو اقتصادياً..أو لوجستياً .. عكس الموقف الأمريكي الذي كان واضحاً وفاعلاً وصريحاً بدعم اسرائيل.. فأمريكا التي أنشأت جسراً جوياً داعماً لإسرائيل في حربها مع إيران لم تتحرج بإعلان هذا الدعم، ولم تخجل منه، بينما الروس التزموا الحياد قولاً وعملاً ، فلا جسر جوياً أو بحرياً أو لوجستياً أنشأته مع ايران، والشي نفسه فعلته الصين أيضاً .. لذلك ترى إيران ( تقتصد ) في التعامل مع مخزون صواريخها، وقد لاحظ العالم كيف قلصت ايران عدد الصواريخ التي تطلقها نحو تل أبيب، قياساً بما كانت تطلقه في أول أيام الحرب مع الكيان الصهيوني، وهذا يترجم الفرق بين موقف أمريكا مع حلفائها، وموقف روسيا والصين من أصدقائها .. وأظن أن لا أحد ينكر العلاقة السياسية والاقتصادية والعسكرية الوثيقة بين موسكو وطهران لاسيما موقف إيران الداعم لموسكو في حربها مع أوكرانيا و اوربا ..! 

إن موقف الصين وروسيا غير الواضح وغير المجدي والنافع لإيران سواء في حربها مع اسرائيل، أو مع أمريكا بعد العدوان على منشآتها النووية لاسيما موقفهما الباهت أمس في مجلس الأمن، يجعلنا نتفقد ونتذكر بحسرة غياب الإتحاد السوفيتي، الصديق العظيم، الذي كانت جسوره الجوية تعمل بنشاط فاعل وقوي على الجبهات المصرية والسورية وحتى العراقية إبان حروب العرب مع الكيان الصهيوني، ولا ننسى إنذارات موسكو لإسرائيل وأمريكا الشهيرة، وفاعلية تلك الإنذارات التي كانت ترعب واشنطن وتل أبيب، فتستجيبان في الحال لتلك الإنذارات. أما اليوم - وبعد غياب هذا الصديق القوي، والسند العظيم، ومع ضعف الموقف الروسي والصيني وهزال البقية الباقية من الدول الكبرى، فقد باتت الشعوب الحرة والمستقلة، بلا سند يسندها، ولا ظهر يحميها من غدر الغادرين ، ولا صديق يقف معها اليوم في محنتها..  

وإذا كان الزعيم السوفيتي خروتشوف قد ضرب منصة هيئة الأمم المتحدة بحذائه العام 1960 لمجرد سماعه كلمة  ( خشنة ) من رئيس إحدى الدول، ضد سياسة بلاده ، فماذا سيفعل لو كان حاضراً في اجتماع مجلس الأمن أمس ، وكم مرة سيضرب بحذائه رأس مندوب اسرائيل أو رئيسة وفد امريكا، لا سيما وهو يسمع كل هذا الكلام الجارح الذي قيل بحق أصدقائه وحلفائه وشركائه  ؟!

ولكن للأسف، فقد دارت الأيام أسوأ دورانها التاريخي، وانتهى عصر خروتشوف، وبقية الزعماء الأفذاذ، حتى خلا الجو لأمريكا وترامب تماماً .. يعني بالعامية العراقية: 

ظل البيت لمطيره .. وطارت بيه فرد طيره .. !!

الرئيس خروتشوف يضرب منصة الأمم المتحدة بالحذاء

علق هنا