هل سينال السوداني ولاية ثانية؟

بغداد- العراق اليوم:

رأي جريدة الحقيقة 

للشارع العراقي رأي مؤثر، وتأثيره يتضح عند صناديق الإنتخاب، لذلك يتوجب على جميع الفاعليات السياسية الإنتباه إلى ما يقوله هذا الشارع المزدحم بمختلف الأفكار والانتماءات والتوجهات، بل وسماع هذا الرأي حتى لو كان مخالفاً لما تفكر به هذه الفاعليات السياسية .. واليوم حيث تقترب الانتخابات النيابية في العراق من موعدها، وسط أجواء مشحونة بالتوترات السياسية، والاستقطابات الإقليمية، والمخاوف الأمنية المتراكمة. 

وبينما تتأهب الكتل السياسية الكبيرة والصغيرة لخوض غمار هذا الاستحقاق المصيري، يلوح في الأفق سؤال محوري تتداوله الأوساط الشعبية بكثرة: هل سينال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولاية ثانية؟

إن هذا التساؤل ليس وليد فراغ، بل هو ينبثق من تجربة حكومية وُصفت بأنها من أكثر التجارب استقراراً وفعالية في العقدين الأخيرين من تاريخ العراق الحديث. 

فمنذ توليه رئاسة الوزراء، استطاع السوداني أن يضع بصمته في ملفات شائكة، ونجح، بحسب مراقبين، في تجنيب البلاد الكثير من المطبات.

فعلى مستوى السياسة الخارجية، لا يمكن إغفال الإنجاز الذي يحسب له: إبعاد العراق عن أتون صراع إقليمي بدا في لحظة ما أنه بات محتوماً، في ظل التصعيد المتواصل في المنطقة، وحرب "طوفان الأقصى" التي فرضت تداعياتها على الساحة الدولية، حيث تمكن السوداني من تثبيت موقف عراقي متزن، وذكي، ومتدرج، جنّب بغداد الانخراط في أي محور صِدامي، ليبقي العراق على مسافة واحدة من الجميع، دون أن يفقد توازنه أو سيادته.

أما في الداخل فيتداول الناس تجربة السوداني الحكومية التي عكست تحسناً ملحوظاً في الأداء الخدمي والمعيشي، ما جعل شريحة واسعة من المواطنين تعيد النظر في صورة الدولة التي بدت لسنوات طويلة عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من التطلعات. 

فقد تحولت بعض المدن العراقية من بيئات منسية ومهملة إلى ورش عمل، تشهد بناء مجسرات وشبكات طرق جديدة، واستحداث مطارات، ومدن سكنية متطورة وهذا أمر لا ينكره احد على حكومة السوداني، ناهيك من الاهتمام بالبيئة الحضرية وتجديد البنى التحتية المتهالكة.

إن هذه الطفرة في الخدمات لم تأتِ قطعاً من فراغ، بل كانت ثمرة لرؤية متماسكة تبناها رئيس الحكومة، تقوم على الربط الوثيق بين الإعمار والخدمات من جهة، وتحقيق الأمن المجتمعي من جهة أخرى. 

فالإعمار، برأيه كما يتضح، ليس حجراً يُوضع فوق حجر فقط، بل هو شرط للاستقرار، ومقدمة لازدهار اجتماعي واقتصادي حقيقي.

أما في ميدان الطاقة، فقد تمكنت حكومته من رفع نسبة استثمار الغاز المصاحب إلى أكثر من 70%، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ العراق. 

وهذا الإنجاز النوعي يفتح الباب أمام عراق أكثر استقلالاً في مجاله الطاقي، ويمنحه فرصة ذهبية للتحرر من قيود استيراد الغاز من الخارج، بما يعنيه ذلك من تحسين في الموازنة العامة للدولة وتقليل واضح للضغوط الاقتصادية.

ولم يكن حضور العراق الدولي أقل بروزاً، فـ"قمة بغداد"، التي عُقدت بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي، شكلت دليلاً على أن العراق بدأ يستعيد مكانته في الخارطة السياسية الإقليمية، رغم البطء الواضح في العودة .

وفي مقابل هذه القمة، التي رأى فيها كثيرون تحدياً للديناميكيات الأمريكية في المنطقة، أصر السوداني على أن يكون صوت العراق مستقلاً، ومعبراً عن مصالحه الوطنية، دون الارتهان لمعادلات خارجية واقليمية.

شخصية السوداني نفسها لعبت دوراً جوهرياً في تعزيز حضوره الشعبي. فالرجل، بحسب قطاعات واسعة من المواطنين، يتسم بالتواضع، والقرب من الناس، وعدم التورط في الخطابات الطائفية أو الإيديولوجيات الضيقة. 

لقد ظهر الرجل كسياسي خدماتي بامتياز، يتمتع بمرونة ميدانية، وقدرة على الاستماع، وسرعة في اتخاذ القرار وتنفيذه.

ومع كل هذا، تبقى الانتخابات ميداناً محفوفاً بالمفاجآت الصادمة. فرغم ما تحقق، لا يزال المشهد السياسي معقداً، والخصوم كُثر، والتوازنات حساسة.

فالأحزاب التقليدية ربما لن تسلم بسهولة بمشهد يقوده السوداني مجدداً، خصوصاً مع صعود قوى تسعى لفرض نفسها بوجوه جديدة، وخطابات متطرفة أحياناً.

لكن، إن استمر الأداء الحكومي في نسقه الحالي، وظلت بوصلته قائمة على تعزيز الخدمات، وتحصين الأمن، وحماية السيادة، فمن المرجح أن يحظى السوداني بدعم شعبي مقبول قد يمهد الطريق لولاية ثانية. 

غير أن الأمر في النهاية رهن بإرادة الناخبين، وتحالفات اللحظة الأخيرة، وقدرة السوداني على خوض حملة انتخابية تقنع العراقيين بأن ما تحقق ليس سوى البداية.

فهل سينال السوداني ولاية ثانية؟ 

الإجابة قد لا تكون بعيدة، لكن المؤشرات حتى الآن تقول: ربما، إذا بقي قريباً من الشارع، وبعيداً عن المحاصصة، وثابتاً على وعوده، وستكون فرصته اقوى وأكبر إن اقترب من  القوى الوطنية، ومشاريع  التيارات المدنية والديمقراطية، وتفاعل مع برامجها وطروحاتها، ولا بأس في أن يتحالف معها بعد الانتخابات إن تعذر ذلك قبل الانتخابات..!

 

علق هنا