بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة
فالح حسون الدراجي
أولاً وقبل كل شيء أود أن أبين أن مقالي هذا لا ينحصر بشخص الرئيس السوري أحمد الشرع، إنما هو يعرض مشكلة تاريخية خطيرة، تورط فيها آلاف العملاء والجواسيس من الذين تعاونوا مع السلطات الأمريكية، أو خدموا في أنشطة وكالة المخابرات ، أو في غيرها من أجهزة المخابرات الغربية.. وقد تكون دوافع بعض هؤلاء العملاء ( وطنية) أو قومية أو حزبية- كما يظنون- لكنهم سيكتشفون الحقيقة بعد فوات الأوان وبعد ضياع كل شيء، بدءاً من ضياع أوطانهم وضياع كرامتهم وليس انتهاءً بفقدان حياتهم أيضاً .. ولا أظن أن القارئ سيحتاج إلى أمثلة على ذلك، فأنا متأكد أن في ذاكرة كل واحد منا أسماء عدة وقصصاً عديدة عن هؤلاء العملاء. وإذا كان البعض يتعاون مع الغرب عموما، وأمريكا خصوصاً، من أجل مصالح بلاده كما يظن، فإن غالبية المنخرطين في ( سلك العمالة) قد سقطوا في وحلها، لأغراض ومصالح ومنافع شخصية بحتة، فخسروا كل شيء .. وفي هذه الجزئية لدينا أمثلة كثيرة حتماً ..! وللحق اقول، أنا شخصياً لا أحترم ( العميل ) مهما كانت دوافعه ومبرراته، فصورة الشرف وعزته برأيي واحدة، لا يمكن أن تتجزأ او تتقسم حتى.. وهنا أتذكر البيت الشعري الذي حسم به الشاعر الكبير مظفر النواب كل الخلافات آنذاك، حين قال متسائلاً، ومتعجباً أيضاً :( چا هو لعب دم الشعب يبني .. چا هو الشرف شكلين .. جاوبني ) !! إذاً، فالشرف له صورة واحدة لاغير، وللعمالة كذلك لون واحد، وهدف واحد فقط، وكل من يحاول تبرير وتسويغ العمالة، أو تلميع وجهها الكالح، فهو عميل مهما حاول ومهما ادعى !! والقارئ لايحتاج إلى أن أذكره بنهايات عدة عملاء ( كبار ) سقطوا دون أن تذرف عليهم أمريكا دمعة واحدة، مثل شاه ايران محمد رضا بهلوي، الذي لم يكن عميلاً فقط، بل كان شرطي أمريكا في المنطقة، وحارس أمنها و مصالحها السياسية والبحرية والاقتصادية، والمتصدي للمد الثوري والشيوعي والسوفيتي في بلدان الشرق الأوسط.. ولكن أمريكا لم تأبه لكل هذه الخدمات، فباعته بسعر بخس حين وجدت ان (موديله) لم يعد يتناسب مع المرحلة، ولا يتلاءم مع المتغيرات الناشئة في المنطقة.. فانتهى هذا العميل (المهم)، نهاية بائسة، نهاية لا تختلف عن نهايات من سبقه، ولا عن من لحقه، بل ولا عن بقية كل الأصدقاء من العملاء الذين ألقت بهم أمريكا طعاماً لخصومهم!! لكن المصيبة الكبرى تكمن في أن عملاء أمريكا لم يتعظوا، ولن يتعظوا، على الرغم من معرفتهم ورؤيتهم لحالات خذلان كثيرة، أثبتت فيها الإدارة الأمريكية تخليها عن أدواتها، حينما تقتضي مصالحها ذلك، إلا أنهم يعيدون تكرار التجربة، ويلدغون من ذات الجحر ألف مرة.. وطبعاً فهم لم يتعلموا الدرس مما حصل مع الشاه في إيران، ولا مع الزعماء العرب خلال الربيع العربي، وصولاً الى ما جرى مع القيادة الأفغانية، من سياسيين وعسكريين وعملاء صغار وكبار، إبّان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وقد رأينا بأعيننا مأساة المتعاونين الأفغان الذين تركوا معلقين بأجنحة الطائرات الأمريكية وإطاراتها، ما أدى إلى سقوطهم، ومقتلهم..! إن نهاية الشاه الذي أسقطته الجماهير الشعبية وتخلي أمريكا عنه، تصلح درساً بالغاً لكل القادة والزعماء الذين يفكرون بالاعتماد على أمريكا أو غيرها، وليس الإعتماد على شعوبهم، والتسلح بوحدة بلدانهم وقواها الوطنية والشعبية. لقد تخلت أمريكا تماماً عن الشاه عندما احتاج إلى معونتها ودعمها، ولم تتكلف الإدارة الأمريكية حتى بتأمين الملاذ له رغم الخدمات الكبيرة التي قدمها لها، حتى أن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، رفض التكلم معه عدة مرات، ما دفعه للتنقل ما بين العديد من الدول، من جزر البهاماس والمكسيك و المغرب، إلى مصر التي فارق حياته فيها. وبعد نهاية الشاه هذه، انتشرت بين الزعماء العرب طرفة راحوا يتداولونها فيما بينهم على شكل مثل شعبي ساخر يتندرون به، ونصه يقول: ( البيت الأبيض لا ينفع في اليوم الأسود ) !! في حين يتندر الرئيس المصري حسني مبارك دائماً بقول: ( المتغطي بالإمريكان عريان )! من كل هذا أردت القول، بل والنصيحة أيضاً، بأن الاعتماد على (الغير) مهما كان، والاستقواء به على أبناء جلدتك لن يجلب لك سوى الخيبة والهزيمة والعار أيضاً .. وعودة لعنوان المقال أقول: إن اعتراف السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد عن اعداد وتأهيل الرئيس السوري أحمد الشرع، وكشفه عن كواليس صعود الجولاني ووصوله لكرسي الرئاسة، لم يكن مفاجئاً لي ولا لمن يعرف سلوك وأخلاقيات الغرب، وكيفية تعامله مع (العملاء) والمتعاونين مع أجهزته المخابراتية او الحكومية. وأعتقد أن اعتراف السفير فورد بأن منظمة بريطانية أسهمت في تأهيل الشرع لخوض غمار السياسة بعد نشاطه المعروف في جماعات مصنفة إرهابياً، امر لا يحتاج إلى دليل بأن الرجل متخرج من مدرسة أمريكية - بريطانية، ومتتلمذ على يد خبراء واساتذة في فن العلوم السياسية والمخابراتية، وليس على يد السفير فورد لوحده..! إن هذا الاعتراف وهذه التسريبات المقصودة يحيلنا إلى اعترافات وتسريبات مماثلة سبق وأن خرجت من خلف الأسوار الأمريكية والبريطانية سواء عن القطار الأمريكي الذي نقل مجرمي البعث في انقلاب شباط 1963، أو عن زيارات صدام حسين المتكررة للسفارة الأمريكية في القاهرة في الستينيات، وعن (علاقات) جمال عبد الناصر مع ذات السفارة ، وغيرهم من المتعاونين .. وزبدة المقال تتلخص في سؤال يؤرقني، مفاده: لماذا يركل الأمريكيون عملاءهم وحلفاءهم، ويرمونهم في سلة المهملات دون رحمة مثل شاه إيران ؟! ولماذا يفضحون جميع عملائهم بقصد أو دون قصد، ودون أي اعتبار لما سيحصل لهم، مثل ما حصل مع صدام حسين وامثاله من قبل، وما يحصل اليوم مع احمد الشرع وعشرات مثله، وما سيحصل غداً مع عملاء آخرين غيرهم ؟. رابط فيديو اعتراف السفير الأمريكي بإعداد وتأهيل الشرع
*
اضافة التعليق