السومريون يَنسون (نوائحهم) ويحتفلون بعرس البيضاني  .. !!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

لن اتحدث في هذا المقال عن رواية المبدع الكبير عبد الستار البيضاني: ( نوائح سومر )، نقدياً ، ليس لأني غير مختص بالنقد فحسب، إنما لأن هذه الرواية حظيت أيضاً بحظ وافر من النقود والقراءات والإشارات النقدية التي عرضت في جلسة اللقاء الذي تم بين مؤلف الرواية وجمهور واسع من المثقفين والمتابعين والمحبين الذين حضروا حفل توقيع الكتاب في قاعة الجواهري باتحاد الأدباء، مساء الثلاثاء الماضي 15 نيسان.. ولعل الدراسة المهمة التي قدمها الدكتور جاسم الحلفي في تلك الجلسة، والتي استعرض فيها بالتحليل السياسي والطبقي والاجتماعي العلمي الدقيق أبرز عناصر  الرواية لاسيما أبطالها، كانت أهم هذه القراءات الواعية لرواية نوائح سومر، ناهيك من الورقة الشفاهية النقدية التي عرضها شيخ النقاد الأستاذ فاضل ثامر، فضلاً عن الملاحظات النقدية المهمة التي قدمها الروائي الدكتور جمال العتابي، وما أضافه أيضاً الدكتور فلاح الخطاط من إشارات مهمة عن كواليس (شكل) وخطوط الرواية، لاسيما وانه مصمم غلافها وتفاصيلها المرسومة ..

عدا المداخلات - وكلها مداخلات أدبية وفنية ذات سمات اجتماعية وتاريخية مهمة يستحق ذكرها وذكر أصحابها جميعاً- لكن مساحة المقال لا تسع لكل ذلك ..

لقد أردت القول في هذا المقال وبصراحة تامة، إن الذي جرى يوم الثلاثاء في قاعة الجواهري لم يكن حفل توقيع لكتاب صدر حديثاً عن اتحاد الأدباء، بل هو تظاهرة ثقافية واجتماعية (سومرية) لم أرَ  مثلها من قبل، ولا أبالغ لو قلت، إن القلم ليعجز عن وصفها بما يفي حقها، وتأشير جمالها المدهش.

لقد رأيت من قبل عشرات المناسبات الاحتفالية المماثلة، لكني لم أرَ مثل هذه الاحتفالية قط، ليس من ناحية العدد الكبير الذي غصت به مقاعد القاعة، ولا في هذا الالتزام

العالي بموعد الجلسة، أو في الانضباط الذي رافق سير ومحاور الاحتفال، إنما في نوعية الجمهور الذي حضر احتفالية توقيع كتاب نوائح سومر.. فقد حضرت أسماء كبيرة وقامات سياسية ورياضية وأدبية وإعلامية باسقة قد لم ولن تجدها مجتمعة بمناسبة كهذه المناسبة ..

فمثلاً كان للأستاذ رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حضور واضح في هذه الاحتفالية، وكذلك الرفيق فاروق فياض عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، والدكتور جاسم الحلفي أحد أبرز الوجوه السياسية والمدنية الفاعلة في العراق، والأستاذ مفيد الجزائري وزير الثقافة الأسبق و رئيس تحرير جريدة طريق الشعب، والمناضل زيدان خلف ( أبو خلود ) وغيرهم من الوجوه السياسية البارزة التي جاءت وساهمت في هذه الاحتفالية التكريمية التي يستحقها الصديق عبد الستار البيضاني.. ومن نجوم كرة القدم حضر أيضاً الكابتن فلاح حسن، والهداف كريم صدام، والمايسترو باسل كوركيس ونجم الشرطة والمنتخب محمد خلف وغيرهم من نجوم اللعبة.

ومن الميدان الفني حضر كذلك فنانون كبار مثل المطرب سعدون جابر، والملحن قاسم ماجد والمطرب عبد فلك، والفنان المسرحي ميمون الخالدي والنحات طه وهيب والمخرج طالب محمود السيد، وغيرهم.. كما جاءت إلى قاعة الجواهري لتحتفل بعرس البيضاني، أسماء ثقافية وإعلامية مهمة مثل الاستاذ فاضل ثامر، والشاعر عارف الساعدي والروائي شوقي كريم والشاعر عمر السراي، الذي ألقى في ختام الحفل كلمة رقيقة هي لعمري ارقّ من العطر وأعذب من قصيدة شعر.. والكاتب المبدع يوسف المحمداوي، والكاتب والصحفي عبد الجبار العتابي والناقد التشكيلي رحيم يوسف ، والكاتب خالد الوادي.. وقطعاً لن أنسى مقدم ومبدع وعريف الحفل الشاعر الدكتور حازم الشمري، الذي أدهشني بهدوئه وفطنته وأدائه وقدرته الفنية الفائقة، لاسيما في لغته الشعرية الصافية.

وهنا يتوجب علي القول، إني  لن أستطيع ذكر كل الأسماء التي حضرت هذه الاحتفالية، بسبب كثرتها وتنوعها اولاً، وبسبب جفاف ذاكرتي التي لم تعد كما كانت متّقدة ومضيئة أيضاً.. لكن يكفي أن أقول إن من بين الجمهور الحاضر كان اللواء ظافر المحمداوي قائد شرطة ميسان السابق، والصديق رائد ضامن قاسم، والناشط صباح فنجان وغيرهم من عشرات الأسماء المدنية والشخصيات الجميلة التي حضرت فأضافت  بحضورها اللافت لوناً باهراً الى كرنفال الألوان المشعة في قاعة الجواهري .. وهو لون لم ينل حفل آخر مثله قط..

إن الذي أدهشنا جميعاً هو أن حفلاً أدبياً خالصاً يتم في (اتحاد الادباء)، يحضره عدد كبير من الفاعلين في حقول غير أدبية، بما في ذلك الحقل العسكري والامني المحض.

لقد أوقف السومريون يوم الثلاثاء الماضي نوائحهم، وجاؤوا من مناطق الأسى والنواح الجنوبي إلى بغداد، ليشاركوا ابنهم عبد الستار البيضاني حفل عرسه الباهر، رغم عتمة الأيام وسواد الأزمنة التي مرت ومازالت تمر عليهم.

علق هنا