لماذا يدفع الإطار التنسيقي مرشح رئاسة الوزراء إلى تقديم تنازلات للقوى الأخرى؟

بغداد- العراق اليوم:

مع اقتراب ساعة الحسم في واحد من أكثر الملفات حساسية في المشهد السياسي العراقي، يعود ملف رئاسة الوزراء ليتصدر واجهة الأحداث، بوصفه الحلقة الأهم في مسار العملية السياسية منذ التغيير. 

وفي كل مرة يقترب فيها هذا الاستحقاق من لحظة الحسم، تتكرر ذات الإشكاليات، وتطفو على السطح ذات الأخطاء التي أرهقت النظام السياسي وأدخلته في دوامات من الأزمات المزمنة.

يلاحظ المراقبون أن بعض القوى الشيعية داخل الإطار التنسيقي ما تزال تمارس أسلوب المماطلة وعدم الحسم في دعم مرشح واضح ومتفق عليه لرئاسة الوزراء، الأمر الذي يدفع المرشح، شاء أم أبى، إلى البحث عن مخارج بديلة عبر عقد اتفاقات جانبية مع قوى سنية أو كردية، على غرار ما حدث في عام 2010 فيما عُرف بـ"اتفاق أربيل" الشهير.

هذا النمط من التفاهمات، ورغم أنه ينجح أحياناً في تمرير مرحلة التكليف، إلا أنه غالباً ما يحمل في طياته بذور أزمات لاحقة، تبدأ منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، بسبب تضارب الالتزامات وصعوبة تنفيذ التعهدات التي قُطعت تحت ضغط الحاجة إلى الأصوات.

المشكلة الجوهرية، بحسب مراقبين، لا تكمن في المرشحين أنفسهم بقدر ما تكمن في غياب الحسم داخل الإطار التنسيقي. 

فالتردد وعدم الاتفاق على اسم واحد يضع المرشح في زاوية ضيقة، ويدفعه إلى البحث عن دعم خارجي يعوض غياب التوافق الداخلي.

هذا الواقع يفتح الباب أمام صفقات ثنائية أو تفاهمات سياسية غير متوازنة، قد تمنح القوى الأخرى مكاسب تفوق حجمها الانتخابي، مقابل تمرير مرشح رئاسة الوزراء، وهو ما ينعكس لاحقاً على استقرار الحكومة وقدرتها على اتخاذ القرار.

التجارب السابقة أثبتت أن الاتفاقات التي تُعقد خارج إطار التوافق الوطني الشامل غالباً ما تتحول إلى ألغام سياسية مؤجلة. 

فحين يعجز رئيس الوزراء عن تنفيذ التزاماته تجاه هذه القوى، تبدأ الأزمات بالظهور تباعاً، من تعطيل البرلمان، إلى الابتزاز السياسي، وصولاً إلى شلل حكومي ينعكس سلباً على الأداء العام للدولة.

ولهذا، فإن الإصرار على تكرار هذا النهج مع مرشحي المرحلة الحالية، سواء محمد شياع السوداني أو منافسه، يهدد بإعادة إنتاج ذات الإخفاقات التي شهدتها الحكومات السابقة.

في المقابل، تشير المعطيات السياسية إلى وجود فارق واضح بين المرشحين. فمحمد شياع السوداني، على سبيل المثال، لا يواجه تحفظات جدية من القوى السنية، كما لا تصطدم شخصيته بعقبات كبيرة مع القوى الكردية، وهو ما يقلل من حجم التنازلات المطلوبة لتمرير حكومته.

فضلاً عن ذلك، لا يواجه السوداني اعتراضات إقليمية أو دولية تُذكر، سواء من دول الخليج أو من الأطراف الغربية والأوروبية أو حتى الولايات المتحدة، وهو ما يمنحه هامش حركة أوسع وقدرة أكبر على تشكيل حكومة مستقرة وقابلة للعمل.

في المقابل، يواجه منافسهُ تحديات متعددة، تبدأ بتحفظات داخلية ولا تنتهي عند تحفظات إقليمية ودولية، ما يعني أن وصوله إلى رئاسة الوزراء سيكلف ثمناً سياسياً باهظاً، يتم دفعه على حساب الدولة وبرنامجها الحكومي.

المعادلة باتت واضحة: كلما طال تردد الإطار التنسيقي في حسم خياره، ازداد ثمن التوافق، وارتفعت كلفة التسويات، وتعقدت مهمة الحكومة المقبلة. 

لذلك، فإن الخيار الأكثر واقعية اليوم يتمثل في توحيد الموقف داخل الإطار، والذهاب بمرشح واحد قوي إلى طاولة التفاوض، بدل تركه وحيداً يبحث عن دعم خارجي بشروط قاسية.

وفي هذا السياق، يبدو أن محمد شياع السوداني يمثل، وفق المعطيات السياسية الحالية، المرشح الأقل كلفة والأكثر قدرة على العبور بالبلاد نحو مرحلة أكثر استقراراً، إذا ما توفرت له مظلة دعم داخلية موحدة وإرادة سياسية حقيقية لإنهاء حالة الاستنزاف المستمرة منذ سنوات.

ويبقى السؤال الأهم: هل يتعلم الإطار التنسيقي من دروس الماضي، أم يعيد إنتاج الأزمة بصيغة جديدة؟