العراق أمام حكومة الاختبار.. لماذا استقرّ الخيار على السوداني؟

بغداد- العراق اليوم:

مع انتخاب البرلمان العراقي، أمس الاثنين، هيبت الحلبوسي رئيسًا للمجلس، واختيار نائب أول له من المكوّن الشيعي، بات المشهد الدستوري أقرب إلى الاكتمال. ولم يتبقَّ سوى حسم منصب النائب الثاني المخصّص للمكوّن الكردي، قبل الانتقال إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهي المحطة التي تفتح دستوريًا باب تكليف رئيس الحكومة الجديدة، في وقتٍ تكشف فيه مصادر خاصة  عن التوافق على اسم محمد شياع السوداني.

وضح مصدر سياسي عراقي مطّلع أن انتخاب رئاسة البرلمان بهذه السلاسة يُمثّل إشارة سياسية واضحة على أن التفاهمات الأساسية باتت منجزة، وأن القوى الكبرى قررت هذه المرة تقليص زمن المساومات العلنية، ويضيف  أن ما جرى داخل قاعة البرلمان يعكس اتفاقًا مسبقًا على ترتيب المسارات، دون تركها للاجتهاد أو المفاجآت.

وبحسب المصدر، فإن تسريع حسم رئاسة البرلمان جاء بالتوازي مع تثبيت التوافق على اسم رئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن الملف الحكومي بات عمليًا في مراحله الأخيرة، وبات مطروحًا كخطوة تنفيذية تنتظر الغطاء الدستوري فقط.

ووفق معلومات خاصة أدلى بها المصدر السياسي العراقي، فإنّ محمد شياع السوداني بات الاسم المتوافق عليه داخل القوى الشيعية الأساسية، بعد أسابيع من نقاشات مغلقة، اتّسمت هذه المرة بقدرٍ لافت من البراغماتية والحذر.

يقول المصدر إنّ القرار جاء بعد مراجعة دقيقة لتوازنات داخلية حسّاسة، ولحسابات أوسع تتعلّق باستقرار الدولة خلال المرحلة المقبلة. كاشفًا أن اسم السوداني لم يكن حاضرًا منذ البداية بوصفه الخيار الوحيد. 

كذلك يوضح أن النقاشات داخل الإطار التنسيقي مرّت بمحطات متعدّدة، طُرحت خلالها أسماء مختلفة، بعضها يمتلك حضورًا أمنيًا، وبعضها يتمتع بثقل سياسي أو إداري. غير أن هذه الطروحات، بحسب المصدر، اصطدمت بعقبات تتعلق بإمكانية جمع الإجماع، وبحساسية المرحلة أكثر من أي وقت مضى.

ويتابع أن "المرحلة لا تتحمّل شخصيات تُفسَّر على أنها استفزاز لطرف داخلي أو رسالة تصعيد للخارج"، مشيرًا إلى أن "المعادلة باتت تتعلق بمن يستطيع إدارة التوازنات من دون أن يُحدث كسرًا في أي اتجاه".

في هذا السياق، عاد اسم السوداني إلى الواجهة باعتباره شخصية خبرت العمل التنفيذي، ونجحت خلال الفترة الماضية في الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع مختلف القوى، من دون الدخول في صراعات علنية أو مغامرات سياسية غير محسوبة.

لا يقتصر التوافق على الإطار التنسيقي وحده. فبحسب المصدر، أبدت أطراف كردية وسنية استعدادًا للتعامل مع إعادة تكليف السوداني من دون اعتراضات جوهرية. ويعتبر المصدر أن هذا الموقف يعكس رغبة عامة في تسريع تشكيل الحكومة، وتجنّب تكرار تجارب الشلل السياسي التي أنهكت الدولة في دورات سابقة.

ويشير إلى أن القوى الكردية تحديدا، باتت أكثر اهتمامًا بترتيب ملفاتها التفاوضية مع بغداد، سواء في ما يتعلق بالموازنة، أم النفط، أم الصلاحيات، بدل الدخول في سجالات مبكرة حول اسم رئيس الحكومة.

في موازاة التفاهمات الداخلية، يلفت المصدر إلى أن المناخ الإقليمي والدولي لعب دورًا غير مباشر في تهيئة الأرضية لهذا الخيار. "لا توجد ضغوط علنية، ولا فيتو معلن، وهناك إدراك مشترك بأن العراق بحاجة إلى حكومة قادرة على تثبيت الاستقرار وحصر السلاح بيد الدولة بشكل لا يهدد الأمن الداخلي".

مع ذلك، لا يُخفي المصدر أن مرحلة ما بعد التكليف ستكون الأكثر حساسية. "التوافق يفتح مباشرةً المعركة على اختبار الحكم"، يقول موضحًا أن الحكومة المقبلة ستواجه حزمة ملفات متداخلة، تبدأ من الاقتصاد والخدمات، ولا تنتهي عند إعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومنظومة السلاح خارج مؤسساتها الرسمية.

ويشير المصدر إلى أن المرحلة السياسية الراهنة تختلف عن مراحل سابقة، إذ باتت فكرة حصر السلاح بيد الدولة تُطرح باعتبارها شرطًا للاستقرار، وليس بندًا مؤجلًا للمساومة. ويؤكد لافتًا إلى أن أي حكومة مقبلة ستكون مطالبة بإظهار مسار واضح، وتدريجي لكنه غير قابل للتراجع، في إعادة ضبط الإيقاع الأمني ضمن إطار الدولة وحدها.

ويختم المصدر بالقول إن السوداني يدخل هذه المرحلة وهو يدرك أن هامش المناورة أضيق، وأن سقف التوقعات أعلى، وأن أي إخفاق سيعتبر اختبارًا مباشرًا لقدرة النظام السياسي على الانتقال من إدارة التوازنات إلى فرض منطق الدولة بوصفه مرجعية وحيدة.

من ناحيته، يرى فاضل العزاوي، المحلّل السياسي العراقي، خلال حديث صحفي أن إعادة طرح مسألة حصر السلاح بيد الدولة ستتحوّل إلى شرط بنيوي لبقاء الدولة نفسها، ويشير إلى أن التجارب السابقة في العراق أظهرت أن ازدواجية القرار الأمني راكمت هشاشة طويلة الأمد داخل بنية الحكم.

كما يقول العزاوي إن الحكومة المقبلة ستكون أمام واقع مختلف عن السنوات الماضية، حيث لم يعد الشارع يتعامل مع السلاح خارج الدولة بوصفه قضية خلافية، إنما باعتباره أحد أسباب انهيار الثقة بين المجتمع والمؤسسات، ويضيف أن النقاش سيدور حول وظيفة الدولة نفسها، وقدرتها على احتكار العنف المشروع، كما هو متعارف عليه في كل النظم السياسية المستقرة.

ويعتبر العزاوي أن النفوذ الإيراني في العراق كان يُدار عبر شبكة أمنية واقتصادية غير خاضعة للرقابة المؤسسية، ما جعل أي إصلاح حقيقي مرهونًا بإعادة ضبط هذه العلاقة. "الحديث عن سيادة الدولة لا يستقيم في ظل وجود قوى مسلحة تمتلك قرارها خارج التسلسل الرسمي"، يقول لافتًا إلى أن اختبار الحكومة المقبلة سيكون في قدرتها على تحويل هذا الإدراك العام إلى سياسات تدريجية واضحة.