بغداد- العراق اليوم:
وسط الضجيج السياسي، وعبث الشعارات المؤقتة، يقف المواطن العراقي البسيط ليسأل نفسه: من يستحق أن أمنحه صوتي مرة أخرى؟ ما الذي أريده فعلاً من رئيس الوزراء القادم، إن أردت أن أمنحه ثقتي من جديد؟
الإجابة، في الحقيقة، ليست معقدة كما يتوهم البعض، فالمواطن لا يطلب المستحيل، ولا يبحث عن رفاهيات مترفة، وإنما يلاحق أحلاماً واقعية بسيطة بحجم ألمه وانتظاره الطويل.
هو يريد العدالة الاجتماعية، التي طالما بقيت حبيسة خطب السياسيين دون أن تهبط من المنابر إلى الأرض. يريد تأمين فرص عمل تحفظ كرامته وتمنحه شعور الانتماء إلى دولة عادلة. يريد ضماناً صحياً حقيقياً له ولعائلته، لا أن يكون المرض باباً للذل أو الاستدانة. يريد أن يرى بلاده تُعمر كل يوم، لا أن تبقى مشاريعها رهينة الصورة الأولى ثم تختفي. يريد أن يطمئن إلى أن أبناءه سيعيشون في وطن لا يسرق أحلامهم ولا يدفعهم للهرب بحثاً عن بديل.
باختصار، يريد أن يكون أولوية قصوى في أجندة الحكومة، لا هامشاً مهملاً على أطراف قضايا بعيدة لا تلامس جوهر حياته. خلال السنوات الأخيرة، رأى المواطن العراقي إشارات مهمة ومختلفة بدأت تشكل ملامح تجربة مغايرة. حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم تكن حكومة تتفاعل مع وسائل التواصل، بل حكومة فاعلة في الواقع، تلمس يوميات الناس قبل أن تلمع صورتها إعلامياً. فالسوداني لم يأتِ ليدير الأزمة، بل جاء برؤية إعمارية طموحة تتجاوز حدود التحاصص والانتماء السياسي، وقدم نفسه كممثل لمشروع دولة لا لطيف سياسي.
وبالفعل، نجح الرجل في صياغة "مصالحة" – ولو جزئية – بين المواطن والدولة، عبر تقديم أولويات العمل على أي شيء آخر. فرأينا بغداد تتزين من جديد، والمحافظات تتنفس عمراناً لم تشهده منذ عقود.
صار صوت الإعمار أعلى من صوت الإحباط، وأقوى من خطابات الفشل التي مزقت ذاكرة العراقيين. وللمرة الأولى منذ زمن بعيد، يشعر الناس أن "الممكن" يحدث، وأن عجلة العمل تدور، وأن الحكومة تعمل لا "تتفرج". ولهذا السبب، يبدو أن السوداني اليوم خيار منطقي وواقعي للمواطن العراقي الباحث عن استقرار وتكامل في الإنجاز، لا عن تغيير غير مضمون العواقب.
فالرجل يحمل في روزنامته ملفات حيوية تمتد إلى قطاعات الصناعة والكهرباء والتجارة والاستثمار العقاري والسياحي وحتى الديني، وهي ملفات تحتاج إلى تراكم نوعي لا يقاطعها مزاج سياسي متقلب.
لذلك نعتقد أن المواطن لا يريد العودة إلى "نقطة الصفر"، فالوضع الداخلي لا يحتمل، والواقع الإقليمي والدولي غير مهيأ لأي اهتزازات عراقية جديدة. إذن، فإن تشرين الثاني المقبل قد يشكل لحظة حاسمة في كتابة فصل جديد من قصة النجاح العراقية. فالمواطن البسيط، عبر صوته في صناديق الاقتراع، يمتلك فرصة تاريخية ليمنح محمد شياع السوداني ولاية ثانية، تفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الإعمار والاستقرار والتنمية.
إنها لحظة نضج في الوعي الانتخابي، حيث لا يُمنح الصوت لمن يصرخ أكثر، بل لمن يعمل بصمت أكثر. ولعل السوداني، بهذه التجربة، يستحق أن تُمنح له فرصة أخرى ليكمل ما بدأه، فالتغيير لا يكون فقط بالأشخاص، بل أيضاً بالاستمرار في بناء الدولة بنفس الإرادة والزخم.
خم.
*
اضافة التعليق