بغداد- العراق اليوم:
في خطوة أثارت تساؤلات المراقبين وأشعلت التكهنات داخل الأوساط السياسية العراقية، قرر نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بنفسه، واضعا حدا لفترة امتدت لعدة دورات كان فيها يكتفي بلعب دور "صانع القرار" من خلف الستار.
المالكي، الذي يحمل إرثاً ثقيلاً من فصول الحكم إبان السنوات الملتهبة التي أعقبت سقوط النظام السابق، يعود اليوم وهو في عقده السابع إلى ساحة التنافس الانتخابي، مدفوعا، كما يبدو، بجملة دوافع سياسية واستراتيجية معقدة. على الرغم من خفوت حضوره العلني في السنوات الماضية، إلا أن المالكي لم يغب فعليًا عن المشهد. فقد ظل حريصاً على إدارة ملفات تحالفه السياسي، ومتابعة تحركات الخصوم، والتأثير في قرارات كبرى مثل تشكيل الحكومات والتوازنات البرلمانية. إلا أن قراره اليوم بخوض السباق الانتخابي بنفسه، يعكس تحولًا في رؤيته لدور المرحلة القادمة.
يقول مصدر سياسي مقرب من ائتلاف دولة القانون إن "المالكي شعر بأن لحظة العودة الشخصية قد حانت، ليس فقط لإعادة ترتيب بيت الائتلاف، بل أيضاً لبعث رسائل طمأنة للجمهور الشيعي التقليدي الذي يشعر بالقلق من التغيرات السريعة في الخارطة السياسية". يبدو أن المالكي أجرى مراجعة شاملة لأفكاره وتحالفاته، خصوصاً بعد التطورات المتسارعة في الإقليم، والتبدلات التي أعادت ترتيب الأولويات الداخلية.
وبحسب محللين، فإن قراره يمثل إدراكاً لأهمية استعادة الزخم السياسي، وإعادة ضخ الحياة في عروق العملية الديمقراطية التي شهدت تراجعاً في المشاركة والتمثيل، خاصة بعد انسحاب التيار الصدري من المعادلة الانتخابية.
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي سعد الكعبي أن "غياب التيار الصدري ترك فراغاً سياسياً واجتماعياً كبيرا، وهو ما دفع المالكي لمحاولة ملئه، سواء عبر الحضور الشخصي أو من خلال تعبئة جمهوره التقليدي".
من بين الأسباب التي دفعت المالكي للعودة إلى المنافسة، حسب متابعين، هو الصعود اللافت لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي بات يحظى بدعم شعبي متزايد، ويستثمر موقعه التنفيذي في تعزيز رصيده السياسي.
ومع تصاعد الحديث عن تحالفات انتخابية جديدة قد تمنح السوداني مكاسب غير مسبوقة، بات المالكي يرى نفسه مضطراً لمواجهة التحدي مباشرة.
ويعتقد البعض أن "الحاج أبو إسراء" لا يريد أن يفقد زمام المبادرة، خاصة في ظل تشكل كتلة جديدة حول شخصية السوداني قد تضعف نفوذ التيارات التقليدية، ومنها ائتلافه السياسي.
في رمزية ملفتة، يحاول المالكي من خلال ترشحه إرسال رسالة مفادها أن "الحرس القديم" لا يزال حاضرا، ولا يمكن تجاوزه. فرغم الانتقادات التي طالت فترته في الحكم، إلا أن له قاعدة جماهيرية تؤمن بأن الاستقرار لا يأتي إلا من خلال القادة المجربين.
يقول المحلل السياسي حسن عبيد: "المالكي يمثل ذاكرة سياسية لدى شريحة واسعة، وهو يراهن على هذه الذاكرة في زمن التشتت والخوف من المجهول". المالكي يدرك جيداً أن حزبه وائتلافه السياسي تعرضا لتصدعات وانقسامات، نتيجة الصراعات الداخلية والتحالفات المتبدلة.
ولهذا فإن عودته تأتي أيضاً كمحاولة لترميم الجبهة الداخلية، وضمان بقاء دولة القانون رقما صعبا في المعادلة.
وتفيد مصادر من داخل الائتلاف أن المالكي بدأ فعلياً بجولات تنظيمية واجتماعات مغلقة مع قادة المناطق والكوادر الوسطية لإعادة تنشيط الهيكل التنظيمي، وسط وعود بإعادة توزيع الأدوار والاهتمام بجيل سياسي جديد يرفد المشروع التاريخي للائتلاف.
*
اضافة التعليق