نقلا عن جريدة الحقيقة : محمد شياع السوداني… ديناميكية الأداء وسرعة الاستجابة في ميدان الدولة العراقية

بغداد- العراق اليوم:

في زمنٍ كانت فيه الدولة العراقية تُدار من خلف المكاتب، وبتقارير مصفوفة مزوقة، خرج محمد شياع السوداني عن المألوف منذ اليوم الأول لتوليه رئاسة الحكومة، حاملاً معه مشروعاً لم يُدون في ورق، بل كُتب على أرصفة الشارع وبين وجوه المواطنين. 

هو ليس مجرد رئيس وزراء يتابع الأخبار من شاشة، بل قائد ميداني ينزل إلى الأرض، يستمع ويسأل ويتفاعل، ويتخذ القرار من الشارع لا من البرج العاجي.

السوداني، الرجل الذي يطارد الأزمات قبل أن تتفاقم، والذي يُشخص العلل لا عبر سطور موظف متمرس على فن تزييف الواقع، بل عبر نبض الناس ورائحة الشارع. 

لم يقبل لنفسه أن يكون موظفاً حكومياً محصوراً بين أرائك فاخرة وستائر معطرة، لم تغره طقوس البروتوكول، ولا بريق المكاتب الصاجية، بل اختار أن يتنفس من وجع الناس، أن يشق طريقه بين أرصفة الأسواق ومداخل الدوائر، وبين صوت بائع الشاي وتنهيدة موظف محبط.

لقد أحدث السوداني تحوّلاً جذرياً في فلسفة الحكم، لا بالخطابات، بل بالفعل الملحوظ. 

كانت لحظة فارقة حين رأيناه يتفاعل مع أحد تقارير برنامج الزميل مصطفى الربيعي الذي يُعرض عبر شاشة قناة العراقية، وحينها لم يتردد، بل اتصل فوراً بعد مشاهدته مواطناً يشكو ظلماً أو يطلب خدمة، ليأمر بحلّها وهو في موقعه، عشرات، بل مئات الحالات، وجدت طريقها إلى الحل بفضل هذا النهج السريع والاستثنائي في المتابعة.

هذا النهج ليس ترفاً، بل استراتيجية حقيقية في الحكم؛ أن تحضر كقائد في التفاصيل الصغيرة والكبيرة، أن تكون لسان المواطن حين يصمت، وأن تعيد الثقة بين الناس والدولة، بين الشكوى والقرار، بين الألم والأمل.

النتائج.. كانت  ملموسة لا في خطابات النشرات، بل في واقع دوائر الدولة. اليوم، نشهد تغييراً فعلياً في أداء مؤسسات وزارة الداخلية، لاسيما في الجوازات والبطاقة الوطنية والدوائر المرورية، حيث خغت معاناة المواطنين، وتراجعت طوابير الانتظار، وتحسنت الاستجابة في كثير من المنافذ.

وفي البلديات، بدأنا نلحظ أن اليد التي تمسك بالمجرفة ليست عبثية، بل تستند إلى قرار مباشر وسريع التنفيذ. المشاريع التي كانت تتأخر لأعوام، تُنجز اليوم وفق إجراءات قانونية أكثر سرعة وانسيابية. في الكهرباء، هناك تحسن، وإن لم يكن جذرياً بعد، لكنه يشي بأن المعالجة حقيقية لا دعائية.

حتى الطرق والجسور، تلك الملفات الثقيلة التي كثيراً ما أُهملت، باتت اليوم تشهد خطوات جادة، وتشهد مؤشرات نجاح محسوسة، حيث تقلصت ظاهرة "التلكؤ" لصالح الإنجاز الميداني.

لكن، لعل ما يُميز السوداني أكثر من أي إنجاز آخر، هو سعيه الدؤوب لاجتثاث البيروقراطية، ذاك الوحش المتجذر في جسد الدولة العراقية.

 لم يتردد في كسر حلقات التعقيد، أو تحدي شبكات المصالح التي تعرقل المشاريع، بل جعل من محاربة البيروقراطية هدفاً علنياً لا يناور فيه، ولا يساوم عليه.

إنها معادلة جديدة في الحكم العراقي،أن تكون رئيساً للحكومة، لا يعني أن تنأى بنفسك عن الشارع، بل أن تكون جزءاً منه،  شاهداً عليه، ومحركاً له نحو الأفضل.

لقد أثبت محمد شياع السوداني أنه ليس مجرد سياسي يتقن فن الكلام، بل هو رجل تنفيذ، رجل تحولت عنده الفكرة إلى قرار، والقرار إلى فعل، والفعل إلى تغيير.

وبينما لا تزال تحديات كثيرة تنتظر المعالجة، تبقى التجربة التي يخوضها السوداني اليوم ذات قيمة عالية، لأنها تنطلق من الشارع وتعود إليه. فحين يكون همُّك الحقيقي هو المواطن، يصبح الإصلاح ممكناً، مهما تعقّدت الطرق وتشابكت المصالح.

وبينما نكتب هذا المقال، لا نستبعد أن يكون السوداني في جولة ميدانية جديدة، أو يستمع لمواطن في زاوية منسية، أو يتابع بثاً مباشراً من شارع مزدحم… لأنه ببساطة، رئيس حكومة اختار أن يحكم من قلب العراق، لا من على هامشه.

علق هنا