طبقة تصنع... وطغمة تنهب

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

لم يكن الأول من أيار، منذ أكثر من قرن، مجرد يوم للاحتفال، بل هو محطة نضالٍ خاضها العمال وقدموا فيها تضحياتٍ عظيمة، وفرضوا من خلالها يوم عمل من ثماني ساعات، وشروط عمل إنسانية، وانتزعوا حقوقاً اخرى من قبضة الاستغلال.

لم تكن الطبقة العاملة يوماً مجرد أداة إنتاج صامتة، بل كانت قوة تغييرٍ حقيقية، دفعت الثمن الأغلى من أجل الحرية والعدالة. والأول من أيار ليس مجرد تاريخٍ عابر على التقويم، بل هو راية مرفوعة في وجه الاستغلال، يومٌ كُتب بنضال الطبقة العاملة، لا بشعاراتٍ فارغة. يومٌ يعكس كرامة الكادحين، وإصرارهم، وانتصاراتهم على الجشع والطغيان.

كل التحية لعمالنا، الذين يكدّون في قلب العتمة، وقلوبهم مشتعلة بأملٍ لا يخمد. في وطنٍ تهوي فيه الأحلام تحت ركام الخيبات، وتُسرق خيرات البلاد على أيدي طغمة لا تشبع، يصبح الأول من أيار مناسبةً للكشف والمساءلة، لا للاحتفال البروتوكولي.

فالطبقة العاملة العراقية، التي كانت الطليعة للنضالات التحررية، وقوة التغيير في أكثر المنعطفات حرجاً، تتعرض اليوم لتهميش متعمد، لتغييبٌ مقصود وليس وليد الصدفة. فهو جزء من استراتيجية حكم، ترى في هذه الطبقة خطراً على ديمومة الفساد، لا شريكاً في البناء.

الاقتصاد الريعي القائم على النفط، لا يرى في العامل سوى رقم زائد. لا زراعة تُبعث، ولا صناعة تُنهض. والعمال يُدفعون نحو الهامش: أجور مجحفة، بطالة مرتفعة، وانعدام للضمانات. أما العمال المؤقتون، عمال العقود والعمالة الأجنبية، فهم يُستنزفون بلا عقود ثابتة، ولا حقوق تقاعد، ولا أمان مهني. يُستبدلون متى شاء أرباب العمل، ويُستغلون في صمت ثقيل.

في ظل هذا الخراب، تُستكمل الكارثة بفساد ينهش المال العام، ويغلق فرص العمل النزيه. وتتوزع المناصب على أساس الولاء لا الكفاءة، وتُحرم الطبقة العاملة من أبسط أدوات الدفاع عن نفسها: من نقابات حرة ومستقلة. إذ تعاني الحركة النقابية من الانقسام المتعمَّد، بفعل تدخل الطغمة الحاكمة، التي تعي تماماً أن تمزيق وحدة العمال، هو السبيل الأسهل لإسكات صوتهم، وإجهاض قدرتهم على التنظيم والمواجهة.

عيد العمال، إذن، ليس طقساً احتفالياً. بل هو وقفة نضالية لتذكير الطغمة بأن من يبني هو الأحق بأن يقرر. وأن اليد التي تشيّد، لا يجب أن تبقى ممدودة للفتات. وان إعادة الاعتبار للطبقة العاملة ليست مطلباً عادلاً فحسب، بل ضرورة إنقاذ وطني. فلا بناء ممكنا بعمال مسحوقين، ولا نهوض في ظل تهميش من يصنع الحياة.

فلنُحيِ الأول من أيار لا كذكرى عابرة ، بل كرايةٍ مرفوعة، وعهدٍ نردده في وجه النسيان والتواطؤ. ونرفعه مع كل يدٍ تبني، ومع كل صوتٍ يتحدى صمت القوانين غير العادلة. فلا وطن ينهض دون عماله، ولا عدالة تُولد في ظل طغمةٍ تنهب وتُحكم باسم الشعب، وهي أول من يخذله. وتبقى دائما حقيقة إن وراء كل إنجازٍ وطني أو اجتماعي، يسيل عرقُ العاملين، وتتلاحق أحلامهم، ويشتد إصرارهم الذي لا يُكسر، مهما بلغ الإرهاق وطال.

 

علق هنا