بغداد- العراق اليوم: لم تكن العلاقة ودية تماماً بين نوري المالكي وعلي الأديب رغم مسيرتهما (الدعوچية) المشتركة، تلك المسيرة الطويلة والعريضة التي تجاوزت الثلاثين عاماً، والتي قضاها الإثنان كداعيين في خلايا حزب الدعوة، السرية والعلنية، حيث تعرضا خلالها الى كل ما يمكن أن يتعرض له قياديان في حزب الدعوة أثناء الحكم الصدامي المرعب. ولكن، ورغم كل هذه المشتركات الجهادية والإنسانية المتشعبة بين الرجلين، فإنهما لم يكونا دائماً على وئام، فالمالكي الذي تربّع على منصة قيادة حزب الدعوة، ومن ثم سدة الحكم، فضلاً عن الشعبية الكبيرة التي وصل اليها بين صفوف الجماهير (الشيعية ) بشكل عام، وأغلب تنظيمات الدعوة بشكل خاص، قد أثار حسد رفيقه علي الأديب، وغيرته، لاسيما وأنه يرى في نفسه الأفضلية، والأقدمية التراتبية من صاحبه نوري المالكي، بل ومن كل قيادات حزب الدعوة أيضاً.. فأبو بلال كان ولم يزل رأسا كبيرا من رؤوس هذا الحزب العريق.
ثمة من يقول وهو يحلل شخصية علي الاديب، بأن التركيبة النفسية والتربوية (الفارسية) المعقدة التي نشأ فيها الرجل قد ساهمت في تنمية هذا الشعور لديه، فهو –أي الأديب –شخص معقد، صعب، غير ودود بالمرّة، قليل الابتسام، قليل الكلام، ضعيف الثقة بالآخر، حتى بات يتحسس من أي شخص لا يعرفه.. بينما نجد المالكي عكسه تماما، فهو شخص محب لرفاقه، وأصدقائه، وأقربائه، لذلك أستغل القريبون منه هذه الميزة، وراحوا يفسدون في عهده فساداً لم يفسد غيرهم أحد، سواء في زمنه، أو في زمن غيره!
ولأن للمالكي شخصية تقترب كثيرا من شخصية الفلاح العراقي، من حيث المودة، والشجاعة، والثقة، والجرأة، بما في ذلك التسرع في اتخاذ القرارات، ولأنه كذلك فقد نال قسطاً غير قليل من حسد وضغينة الأديب، ومن (أصحاب) الأديب أيضاً.
والمشكلة أن الأديب حين يفكر بالموقع، وحين تضطرم في صدره نار الغيرة، فإنه -كما يقول القريبون منه في الحزب- ، لا يأبه لما سيقع لصاحبه، أو لحزبه، أو لبلاده من أضرار.. بدليل أنه سحب من جبهة الإصلاح قبل يومين او ثلاثة أربعة وعشرين نائباً، بعضهم ينتمي لحزب الدعوة –كعباس البياتي، وعلي العلاق- وغيرهما، وبعضهم من خارج حزب الدعوة -كالبولاني ومحمود الحسن –وغيرهما ، فأحدث بذلك الانسحاب القصدي، خللاً، وثلمة كبيرة في بنيان هذه الجبهة، ونقصد جبهة الأصلاح التي جعلت الفاسدين في الدولة العراقية، يرتجفون كالسعفة كلما ذكر إسمها.
ولعل الأمر المنتشر هذه الأيام بين الأوساط السياسية والنيابية العراقية، أن ثمة “حركة تمرّد” داخل حزب الدعوة ضدّ قائده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والتي يقودها علي الأديب لمصلحة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، "الذي أصبح يخشى تفكيك حكومته بالكامل، على يد سلفه المالكي، مستخدماً في ذلك نواب البرلمان، سواء من داخل كتلته دولة القانون أو من الداعمين لها في عمليات استجواب الوزراء، ومن ثم سحب الثقة منهم" ..
كما تؤكد مصادر برلمانية قريبة من العبادي ان هذه الخطوة تضع حلاً (لإستغلال زعيم دولة القانون لبعض الكتل والشخصيات البرلمانية للعودة الى المشهد مرة أخرى، والانفراد بالقرارات بعيداً عن حزب الدعوة وكتلته البرلمانية التي تشهد انقساماً داخليا جراء ذلك) – ويقصد المالكي - !!.
وبالمقابل فإن إستياءً - حسب مصادر من داخل كتلة الدعوة- بدأ يتعالى، إثر قيام الأديب بالضغط على بعض النواب للحصول على تواقيعهم، لأجل إنسحابهم من جبهة الإصلاح..
أما الأديب والعبادي، والعلاق، فهم يبررون هذه الخطوة بأنها خطوة تصحيحية لا تهدف لضرب أحد، ولا تسعى لمصلحة آخر ، إنما تهدف لمنع مصادرة رأي الكتلة في إتخاذ القرارات المهمة والمصيرية!!
ومن الجدير بالذكر أن كتلة الدعوة البرلمانية نفت أمس بشكل رسمي أي علاقة لها، او لأعضائها بـ"جبهة الإصلاح"، مؤكدة ان الاخيرة لا تمثل "كتلة سياسية" بقدر كونها تجمعاً لمجموعة إرادات، وان عملها قد "انتهى" بالتعديل الحكومي. وأكدت كتلة الدعوة تمسّكها بمواقف الحزب وتوجهاته، ورفضت كل ما يتقاطع مع ذلك!!؟
والسؤال الآن: هل بدأ الخلاف المستتر زمناً طويلاً، بين المالكي والأديب بالظهور الى العلن.. وهل هو بداية الإنشقاق للحزب، الذي يعد تنظيمه تنظيماً منيعاً بل وحديدياً ، خصوصاً في سريته.. وهل سيضعف تمرد الأديب ومجموعته من قبضة المالكي على الحزب والكتلة وجبهة الإصلاح.. ام أن أبا إسراء يزداد قوة وصلابة كلما تعرض لإنكسار ما.. ؟!
ولعل من المفيد ذكره، ان قائمة النواب الموقعين على الطلب، تضم كلاً من (علي الاديب، طالب الجعفري، علي العلاق، عامر الخزاعي، صادق الركابي، عباس البياتي، رعد الماس، شامل الكهية، راضي أبو حسنة، جاسم محمد جعفر، جبار العبادي، إقبال عبد الحسين، علي فيصل الفياض، جواد البولاني، أزهار الطريحي، ناظم الساعدي، فاضل الكناني، حيدر المولى، محمود الحسن، هدى سجاد، زينب البصري، أحمد الكناني، ندى السوداني، ناهدة حميد لفتة).
وقد كانت "جبهة الإصلاح" قد تشكلت من نواب ينتمون لكتل سياسية عدة، في أعقاب الخلافات التي شهدها مجلس النواب ومطالبة مجموعة من أعضائه إقالة رئيسه سليم الجبوري، على خلفية تفاقم الحراك الجماهيري المطالب بالإصلاح، في نيسان 2016، لكن المحكمة الاتحادية حسمت الأمر في حزيران 2016، لصالح إبقاء الوضع على ما هو عليه، فقرر أعضاء الجبهة مواصلة عملهم والسعي لتشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر"، لكن تمسّك الكثير من النواب، منهم أعضاء ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة، بكتلهم الأصلية أضعف دور الجبهة، حيث يقول النائب جاسم محمد جعفر، القيادي في كتلة الدعوة، إن "جبهة الإصلاح انتهت بتشكيل الحكومة الجديدة "، مؤكدا على ان "تشكيل الجبهة كان يهدف إجراء التعديل الوزاري أو التبديل الشامل للحكومة، وعندما لم تتمكن من ذلك أصبح دورها ثانوياً" !!.