بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
وجّه رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، في أول خطاب له بعد توليه المنصب يوم 9 آذار الجاري، رسالة حادة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قائلا أن كندا لن تكون جزءاً من الولايات المتحدة "بأي شكل من الأشكال". ولم يكتفِ بذلك بل استخدم الرياضة كرمز وطني وقال: "سنفوز عليك في التجارة كما تفوز كندا دائماً على أميركا في لعبة الهوكي".
ولم تكن هذه التصريحات مجرد تحدٍّ سياسي، بل أكدت الموقف الحازم للسياسة الكندية في مواجهة الضغوط الاقتصادية الأمريكية، خاصة بعد فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25في المائة على المنتجات الكندية.
لقد أظهر كارني دهاءً سياسياً حين استغل التخبط الأمريكي، وبيّن أنه سيبقي على الرسوم المفروضة على المنتجات الأمريكية وأضاف: "سأفعل ذلك حتى يظهر لنا الأمريكيون الاحترام ويلتزمون بالتجارة الحرة والعادلة". ولم يكن هذا الموقف جديداً على السياسة الكندية، بل امتداداً لنهج رؤساء الوزراء السابقين، الذين حرصوا على حماية سيادة بلادهم بعيداً عن التبعية الاقتصادية لواشنطن.
في المقابل، يبدو المشهد العراقي مختلفاً تماماً. ففي 8 آذار الحالي ألغت إدارة ترامب الإعفاء، الذي كان يسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل استيراد الغاز والكهرباء، في إطار سياسة "الضغط الأقصى" الامريكية ضد طهران. ولم يأتِ القرار مفاجئاً في سياق الصراع الأمريكي-الإيراني، لكن الصادم كان الرضوخ التام من جانب الحكومة العراقية، التي لم تحرك ساكناً ولم تقترح التفاوض مثلا أو البحث عن حلول وطنية بديلة.
لقد أصبح ملف الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء رهينة للقرارات الخارجية، في ظل غياب رؤية استراتيجية تحقق استقلال العراق في مجال الطاقة. والمفارقة أن العراق، الذي يمتلك واحداً من أكبر احتياطيات الغاز والنفط في العالم، يعجز عن إنتاج طاقته الكهربائية، بينما تتكفل إيران بتغطية العجز وفق اتفاقات غير متكافئة، تجعل العراق تابعاً لها وخاضعاً في الوقت ذاته للقرار الأمريكي.
وقد أنفقت طغمة الحكم مئات المليارات على قطاع الطاقة، دون تحقيق أي اكتفاء ذاتي، ما يظهر ليس فقط الفشل الإداري، بل ويعكس نهجاً منظماً من الفساد والتبعية. فالقرار الاقتصادي لم يكن يوماً وطنياً، بل ظل أسير صفقات القوى المتنفذة، التي تدير الاقتصاد بمنطق المحاصصة والغنائم لا بمنطق بناء دولة ذات سيادة اقتصادية.
السيادة ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، بل هي مشروع اقتصادي وسياسي مستدام، يستند إلى قرار وطني مستقل وإرادة شعبية. وحين يكون القرار السياسي خاضعاً للمصالح الوطنية، تستطيع الدولة مواجهة الضغوط، كما هو الحال في كندا. أما في العراق، فلا تزال القرارات مرهونة بالمحاور الخارجية، والتوازنات الطائفية، والمصالح الفئوية، ما يجعل السيادة مجرد شعار وهمي يُرفع عند الحاجة، ويُهمل حين يتعارض مع مصالح طغمة الحكم.
ان أزمة الكهرباء ليست مجرد خلل فني أو إداري، وانما هي انعكاس لنمط حكم أبقى العراق في دائرة التبعية طوال عقود، وحوّل موارده إلى صفقات فساد تديرها قلة متنفذة، فيما جعل الشعب العراقي رهينة للقرارات الخارجية.
السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع من خلال بناء اقتصاد مستقل، وتأمين توافق سياسي داخلي منطلق من الولاء للوطن والحرص عليه، وإلا فسيظل العراق عالقاً بين واشنطن وطهران، بلا أفق واضح للخروج من هذه الدوامة.
*
اضافة التعليق