بغداد- العراق اليوم:
أثارت قضية ختان الإناث الجدل منذ التسعينات، وتنوعت بين جهود الدولة في الحملات التلفزيونية وبين جهود المنظمات غير الحكومية والمعنية بحقوق النساء. أطلقت هذه الجهود خطباً كثيرة تخص جنسانية النساء بتعريفهن بالهوية كعربيات مسلمات، وبالأطر التي يجب فيها "تنظيم" حياتهن الجنسية.
بعضٌ من هذه الخطب المنتشرة آنذاك على الفضائيات كان دينياً في الأصل، ويربط بين الختان وبين العفّة كمصطلح دلالي على العزوف عن ممارسة الجنس إلا في إطار الزواج. وبعضها كان مرتكزاً على حق الرجل في ممارسة جنسية منعوتة بالـ"صحية"، في إشارة إلى أن الختان يمنع الزوجة من التفاعل جنسياً مع زوجها بشكل سلس.
كما حاولت المنظمات المعنية بحقوق الطفل والنساء تغيير مسار الخطاب والإشارة للختان بوصفه انتهاكاً للأطفال الإناث وجريمة عنف جنسي قائمة على أساس النوع الاجتماعي. الفاعل والمفعول: هكذا وُصمن في الحالتين
كان بعض من الخطاب المرتكز على إضعاف حُجج وجوب ختان الإناث، يتمحور حول الختان كمُسبب لحالات الركود الجنسي لدى بعض الشريكات في العلاقات الجنسية المُغايرة. ولنجعلها أكثر وضوحاً، يُمكننا استعارة وصف العلاقة بين الفاعل والمفعول به كفكرة سائدة عن العلاقات الجنسية في بعض الثقافات، منها العربية.
يحدث أن الحركة على مسطرة الفاعلية والمفعولية مرتبطة أيضاً بالأدوار الاجتماعية وما هو متوقع من الرجال والنساء داخل العلاقات الجنسية؛ فمثلاً قد تُعتبر النساء في بعض الأحيان مُتجاوزات أخلاقياً إن بادرت المرأة إلى العلاقة الجنسية مع شريكها.
هذا النوع من الأضواء المُسلّطة على الختان كُمسبب للبرود الجنسي، يتجاهل كيف تتفاعل الأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء، وكيف أن ما (قد) ينتج عنها ليس فقط عدم مبادرة النساء إلى طلب ممارسة الجنس، ولكن (قد) لا يتفاعلن داخل العملية الجنسية كليةً.
كما أن هذه الأضواء المُسلطة على البرود الجنسي بإشكالياتها دون الإشارة إلى الختان باعتباره انتهاكاً جسدياً وجنسياً يتدخل في العلاقة بين النساء وبين أجسامهن، قد تعتبر موجهة في الأصل إلى الرجال، لا النساء.
ولأن المساحة لا تتسع لطرح الجدلية، فسأقوم بتسليط أضواء مُعاكسة على الختان كحالة فسيولوجية غير مرتبطة بالضرورة بالبرود الجنسي. كيف تنشأ الاستثارة الجنسية؟
أسباب الاستثارة الجنسية فردية ومتنوعة من شخص لآخر. يُستثار البعض من الصوت والخيال أو بعض الصفات الجسدية التي تُماثل صفات الشركاء الجنسيين المثاليين في أذهانهم كالطول واللون والعضلات، وحتى الصفات العقلية كالذكاء والفِطنة والنجاح قد تُثير البعض جنسياً، أو ما يُعرّف مؤخراً بالـ"سابيوسكشوالتي" Sapiosexuality.
نستنتج من هذا أن مركز الاستثارة هو العقل، وليس الأعضاء الجنسية، أي أن الختان بتعريفه العالمي، لا يمنع النساء من الاستثارة، والتي تحدث في عقولهن قبل أن تنشغل بها أعضاؤهن الجنسية.
ويعرّف الختان وفقاً لـ«منظمة الصحة العالمية» بأنه: "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية: جميع الممارسات التي تنطوي على إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام، أو إلحاق إصابات أخرى بتلك الأعضاء بدواع لا تستهدف العلاج". كيف يؤثر الختان في العلاقة الجنسية؟
لا يؤثر الختان على العلاقة الجنسية بالقدر نفسه في كل الحالات. فهناك نساء مُختّنات ويُمارسن الجنس بسلاسة كنظيراتهن غير المختنات، أو بآثار طفيفة للختان، وهناك أخريات قد يؤثر الختان على وصولهن للشبق الجنسي أو الرعشة.
يتسبب الختان في بتر جزء من البظر وهو الجزء الأكثر احتواءاً على الأعصاب الحسية في المهبل، والتي بدورها تعمل كقناة اتصال بين المهبل والمخ، وبالتالي (قد) يتسبب في تأخير وصول النساء المُختنات إلى الرعشة، لكنه لا يمنعهن من الوصول إليها نهائياً إلا في حالات معينة، منها حالة بتر البظر.
كما لا يقتصر عدم الوصول إلى الشبق الجنسي على المُختنات، فغير المُختنات أيضاً قد يلزمهن وقتاً أطول في الإنزال أو الأورجازم، أي أنه أيضاً عامل فردي ويختلف من امرأة لأخرى، كما يختلف من رجل لآخر.
فالمُختتنة تُستثار جنسياً وتُمارس الجنس بشكل لا يُمكننا تنميطه أو حصره في صورة واحدة بسبب فردانية الفعل. معايير وصول النساء إلى الشبق الجنسي
وبسبب هذه الفردانية يصعُب علينا حصر معايير معينة تصل بها النساء إلى النشوة، ولكن هناك بعض الأسباب التي قد تؤثر بشكل أو بآخر على وصول النساء إلى الشبق الجنسي أو المدة التي يستغرقنها في الوصول إليه سواء كنّ مختنات أو لا:
حجم الجزء الذي تم استئصاله من البظر (في حالة الختان). قبض وبَسط عضلات المهبل. الأداء الجنسي للشركاء الجنسيين، متضمنًا الآتي:
- طول وحجم القضيب إن كانوا ذكوراً
- مدة الإدخال قبل القذف
- مداعبات ما قبل وأثناء الاتصال الجنسي
لذلك بات من السخرية المخلوطة بالجهل إدعاء أحد نواب البرلمان المصري في النصف الأخير من عام 2016 بأن ختان الإناث هو حل للضعف الجنسي لدى الرجال.
فإننا، بالنظر لما تم ذِكره أعلاه، يُمكننا إدعاء الأمر معكوساً بأن المختتنة والتي (قد) يؤثر الختان على مدة وصولها للنشوة، تحتاج إلى شريك يستغرق أقرب وقت ممكن لهذه المدة قبل القذف. ليتساوى الشريكان في المدة وآليات الوصول للنشوة، فيصلان إلى الشبق الجنسي بنسبة قريبة التفاوت في الزمن.
كما أن الضعف الجنسي وأمراض الذكورة قد يتم علاجها كيميائياً، بينما لا يُمكن استعادة الجزء المبتور من البظر بأي حال.
وفقًا لنتائج مسح وطني شامل لحساب التكلفة الاقتصادية للعنف القائم ضد النساء على أساس النوع الاجتماعي في عام 2015 في مصر، تحت إشراف «الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء»، فإن واحدة من كل عشر نساء تنجو من الختان، وتتعرض له تسع غيرها.
والنجاة المقصودة هنا، هي أن تصبح بعض النساء محظوظات بالقدر الكافي لئلا يتعرضن لهذه الجريمة: عدم بتر أجزاء من أجسامهن بدعوى العفة والتربية أو بدوافع فُسرت بأنها دينية، وألا يتم انتهاكهن جنسياً، وألا يتألمن، وألا تظل الصدمة والمعاناة في أذهانهن في أغلب المرات التي نظرن فيها إلى مراياهن. وألا يُعاقبن تحسباً. وألا يحول أحد بينهن وبين أجسامهن في هذه السن الصغيرة. وألا يتم تنميطهن والإشارة إليهن بعد هذا كله كشريكات غير صالحات جنسياً، فيتفاقم إحساسهن بالظلم.
في الختام، لم يزل القضاء على الختان باعتباره انتهاكاً جنسياً ضرورة مُلحة، وجب مناقشتها مع التركيز على الحقوق الجسدية والإنجابية للنساء، وبعيداً عن الخطب البالية التي تنفي عن النساء فاعليتهن في أجسامهن.