بغداد- العراق اليوم:
رأى بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، أن العراق يعيش في "وضع صعب" بسبب التغييرات الإقليمية والدولية التي خلقت وضعاً جديداً، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب الشعور بالمسؤولية وحل المشكلات والعودة إلى الهوية الوطنية. وقال ساكو، في كلمة ألقاها بمناسبة قداسَ ليلة الميلاد المجيد، الذي أقيم في كاتدرائية مار يوسف بمنطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، وحضره رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم: "سعداء أن تشتركوا معنا في هذا العيد لان المسيح ليس للمسيحيين فقط، فهو لكل الناس". وأَضاف أن "هذا هو نوع من التقدير والاحترام لهذا المكون المسيحي، كما نشكركم بشكل خاص انكم اعلنتم اليوم عطلة رسمية بعيد الميلاد لجميع العراقيين، لا فقط للمسيحيين"، مضيفاً: "بشرى الميلاد المجد لله في العلا وعلى ارض السلام، على ارض العراق، على ارض سوريا، على ارض لبنان، على ارض فلسطين او أوكرانيا، وعلى ارض كلها". وتابع: "يولد يسوع من الله بمعجزة في الانجيل وفي القرآن لكي نولد نحن ايضاً من نفس الله الخالق والأب، بشرى الميلاد تكشف لنا ابوة الله وتدعونا الى المصالحة مع انفسنا ومعه ومع الاخرين، والسير نحوهم بقلوب منفتحة وصادقة، فنكون مثل المسيح نجسد الأخوة والمحبة والتضامن". وأشار إلى أن "ميلاد المسيح يعرض علينا امكانية الولادة الجديدة من الداخل. كلنا مسيحيون ومسلمون وعبرانيون وحتى الذين لهم ديانات أخرى، الولادة في النور والحب والحق بكون الحقيقة تسكن في داخلنا، وهذا هو بالتحديد معنى احتفالنا بالميلاد". وأضاف أن "الميلاد يعطينا الرجاء لبدء مسيرة جديدة، وأن نولد من جديد هي الطريقة التي تدخلنا إلى دائرة الحركة الإلهية، الله محبة، الله سلام، اسمه سلام وقبل قليل على الأرض السلام، ونتقدم بالسلام وبالمحبة، وبالحرب والتناحر نتأخر ونتراجع، لنكون في المسيح رسول السلام ويسوع فينا ومن خلاله نكون في الله". وواصل قائلاً: "يسوع هو الباب الذي ندخل منه إلى الحياة الحقة، قال أنا الباب فمن دخل مني يخلص، ومن يعمل الخير يخلص، ومن يعمل الشر ينتهي يوماً من الأيام، وهذه الولادة تتطلب خياراً شخصياً حراً ومسؤولاً والتزاماً، لذا علينا الإصغاء إلى كلمات يسوع الرائعة والتأمل فيها واكتشاف معانيها والتجاوب معها بسخاء، عندها سنعيش بوئام، لذلك لنبقي أعيننا مثبتة عليه حتى في الصعوبات ولا نتهرب ولا نهاجر، ليمنح قلوبنا القوة للمضي قدماً بحرية ومن دون تردد". ودعا ساكو إلى التأمل "باهتمام في ترتيلة الميلاد التي بها بدأنا قداسنا واحتفالنا، التي تعرض علينا طريقة واضحة لعيش رسالة الميلاد، والعيش كإخوة وأخوات بطريقة جديدة وحقيقية في غاية الفرح والسعادة، جاء في هذه الترتيلة ليلة الميلاد ينمحي البغض قلب الإنسان، فهذا يعمل قرحة بقلبه ليبغض، وتدفن الحرب، وتزهر الأرض وينبت الحب". ولفت إلى أنه "عندما نسقي عطشاناً كأس ماء وعندما نكسي عرياناً بثوب حب، وعندما نجفف الدموع من العيون، وعندما نملأ القلوب بالرجاء نكون في الميلاد، أو نكون في أي عيد لأي ديانة كانت، فعندما أقبل رفيقي بدون غش، وعندما تموت في روح الانتقام (الثأر)"، مردفاً أن "مجتمعنا مجتمع يبحث عن الثأر إذ أن هذا الفصل العشائري هو ضد القانون والعدالة، فهناك قضاء وعندما تكون هناك قضية أو اعتداء على شخص فعليه أن يذهب إلى القضاء لا أن يذهب إلى العشيرة، فبخلاف ذلك تكون غابة، وأنه ليس هناك مجتمع متحضر يعمل بخلاف ذلك". ومضى بالقول إنه "عندما يزول من القلب الجفاء، وعندما تذوب نفسي في كيان الله أكون في الميلاد"، مشيراً إلى أن "عالمنا المنهك بسبب الحروب والصراعات بحاجة إلى ولادة جديدة، وما يحصل في المنطقة خلق حالة من الخوف والقلق عند الناس على الرغم من أن رئيس الوزراء يطمئن بخصوص ذلك كثيراً، لكن مع ذلك يجب أن نكون حذرين". وبيّن أنه "برسالة يوم الميلاد الواضحة أنه على الأرض السلام، هذه علامة رجاء عظيم لمستقبل البشرية، وهذا مشروع يجب كل واحد يساهم فيه ويحققه، كما يجب على رؤساء الدول خاصة الغربية بشكل خاص، أن يفكروا ملياً ويستقدموا الأموال على مشاريع تخدم الناس بدل صرفها على صناعة الأسلحة وقتل البشر، فلا أحد يمتلك حق القتل، لكن ليس هناك من يسمع". وشدد ساكو على أن "المنابر الدينية وجدت للصلاة وتوجيه الناس نحو الأخوة والسلام وخدمة للمحبة والرحمة وليس إلى العسكرة، فرجل دين هو رجل الله ويحمل رسالة الله ولا يحمل شيئاً آخر، ومع أن له كلمة في السياسة أمام الظلم، لكن لا يعني أن يتحول إلى جهة سياسية". ولفت إلى أن "العراق في وضع صعب بسبب التغييرات الإقليمية والدولية التي خلقت وضعاً جديداً في المنطقة، لذا أدعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية والعمل يداً بيد مع بعضنا لحل المشاكل بأنفسنا"، مشدداً على: "نحن من يجب أن نحل مشاكلنا وأن لا نترك الآخرين أن يحلوا مشاكلنا، فالآخرين ليسوا جمعيات خيرية، كما أننا يمكننا حل مشاكلنا مع رئيس الوزراء والحكومة والمسؤولين السياسيين قبل فوات الأوان". ودعا إلى العودة إلى "هويتنا الوطنية العراقية الجامعة بالمواطنة الكاملة والمصالحة الحقيقية والمشاركة الإيجابية في جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية لخير الجميع لا لخير فئة معينة"، مؤكداً ضرورة "العودة إلى الدولة الحقيقية، دولة القانون والعدالة التي يعمل من أجلها رئيس الوزراء بكل صدق". وختم ساكو: "نحتاج إلى دولة تحقق طموحات شعبها وتراعي تنوع المجتمع دينياً وقومياً"، مبيناً أن "هذا الإصلاح سيشجع المهاجرين على العودة إلى بلدهم والمساهمة بمهارتهم في بنائه وازدهاره".
*
اضافة التعليق