بغداد- العراق اليوم:
كتب المهندس محمد صاحب الدراجي، المستشار الفني لرئيس الوزراء، مقالاً مهماً حول التغيير الحاصل بنظام الحكم في سوريا.. المقال نشر اليوم في جريدة الصباح، ولأهمية ما جاء فيه.. وكالة ( العراق اليوم) تعيد نشره لتعميم الفائدة .. اليكم المقال: إقرؤوا التاريخ .. واسقرأوا الجغرافيا .. واحذروا العاصفة
محمد صاحب الدراجي رئيس مركز حلول للدراسات الاستراتيجية
لايخفى على عاقل ان منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات جوهرية وليس متغيرات آنيه تتعلق بتبديل أنظمة وانما لرسم جغرافية سياسية جديدة. ومن خلال مراجعة تاريخيّة للاتفاقيات او المعاهدات التي شكلت الجغرافية الحالية لمنطقتنا في بدايات القرن الماضي نجد ان تراتبية اتفاقية سايكس- بيكو عام ١٩١٦ ووعد بلفور عام ١٩١٧ ومعاهدة فرساي عام ١٩١٩ ومعاهدة لوزان ١٩٢٣ سمحت للإمبراطورية البريطانية ذات العقلية الاستعمارية حينها ان تكون اللاعب الأساسي في رسم جغرافيا جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتنسيق مع حلفائها المنتصرين بالحرب العالمية الاولى لتكون نقطة تحول زمني في هذه المنطقة ليبدا منها تاريخ سياسي واقتصادي لدول بمسميات جديدة وحدود مرسومة على الورق لا على الطبيعة الجغرافية. ان هذه الدول الكبرى التي خاضت الحروب واحتلت البلدان كانت الغاية الأساسية لها هوي الانتعاش الاقتصادي لبلدانها وشعوبها من خلال السيطرة على ثروات الآخرين او ضمان ممرات تجارية آمنة لنشاطاتها الاقتصادية ، لذلك فعندما رسمت الخارطة التقسيمية لمنطقتنا استصحبت الأسس الاقتصادية الخاصة بها في تملكها لهذه البلاد ، ومن اهم مباديء الملكية التجارية فيها للأراضي والعقارات هو مبدأ المالك المطلق ( freeholder) الذي يملك الأصول العقارية للابد بحكم شراء الأصل او الاستحواذ او الوراثة، والذي يطلق عليه اصطلاحا في العراق الملك الاميري ، ومبدأ المالك الموقت المحدد بزمن ( leaseholder) وغالبا ماتكون هذه المدة ١٠٠ سنة ، او مايطلق عليه اصطلاحا في العراق ملك حق الرقبة . لذلك اعتبرت هذه الدول المنتصرة للأسف ان غنيمتها في الحرب العالمية الاولى من الأراضي التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية ملكا اميرياً صرفا، وان ادارات هذه الدول وحكوماتها مالكا موقتا لحق الرقبة، ممكن يتغير من وقت لاخر ضمن المدة الزمنية المحددة لهذا الحق . لذلك نرى حتى بعد تغير معادلة القوة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كقوى عظمى جديدة احترمت التقسيم الجغرافي الناتج عن الحرب العالمية الاولى، واخذت استحقاقاتها كدول منتصرة بصورة نفوذ اقتصادي مباشر على نفس الخارطة القائمة ولعبت دور الادارة العقارية لمالكي حق الرقبة للأصول المستحوذ عليها من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى. اما الان وقد انتهت فترة ال ١٠٠ عام ، وبوجود معادلات عالمية واقليمية جديدة، فقد أصبح من الحتمي تاريخيا ان يتم اعادة رسم المعادلات الجغرافية في المنطقة وتغيير مالكي حق الرقبة ( الأنظمة السياسية) او التجديد لهم بطريقة تعتمد على مدى توافق هذا الاداء مع واقع النظام الاقتصادي العالمي . وبحسب المعطيات الجديده للمالكين الصرف ( الدول الكبرى المتحكمة بالاقتصاد العالمي) وفي ظل ظهور قوى اقليمية جديدة ،تتمثل في تركيا التي تشعر بانها تم سلب حقها في اتفاقية لوزان وتطالب بإرثها العثماني، وايران التي كانت متلقي صامت في الصفقة التاريخية السابقة قبل ١٠٠ عام ، وتحاول ان تكون فاعلاً أساسياً في اي صفقة تاريخية جديدة ،وكذلك صعود قوة اقتصادية هائلة ومخيفة تريد ان تستحوذ على النفوذ الاقتصادي العالمي بغض النظر عن اي جغرافية او تاريخ يرسمه الآخرون.. فالمارد الصيني له القدرة على تجاوز محددات الاخرين ، فان من الواضح والجلي ان معالم جديدة ستظهر سواء سياسية او جغرافية في المنطقة ثابتها الوحيد التوافق الغربي على وجود الكيان الاسرائيلي، والحفاظ على امنه، اما باقي المتغيرات فتتمحور حول هذا الثابت او بمقدار المنافع الاقتصادية المتحققة للدول الكبرى . وفي خضم هذه التغيرات الخطيرة يجب ان ننظر بمراجعة بسيطة للفترات الزمنية للأنظمة السياسية التي أدارت العراق منذ تشكيل الدولة العراقية الجديدة بموجب اتفاقية سايكس بيكو، ومعاهدة فرساي وكالاتي : ١-النظام الملكي الفيصلي عام ١٩٢٠ سقط بعد ٢١ عام بثورة رشيد عالي الكيلاني عام ١٩٤١ وقد تخللها انقلاب بكر صدقي الذي غير الحكومة في عام ١٩٣٦ اي بعد ١٦ سنة من انبثاق الدولة
٢- النظام الملكي الوصائي جراء الاحتلال الانكليزي الثاني عام ١٩٤٢ والذي سقط يعد ١٦ سنة في عام ١٩٥٨
٣- النظام الجمهوري القاسمي ١٩٥٨ تم اسقاطه بعد ٥ سنوات ٤- النظام الجمهوري العارفي ١٩٦٣ تم اسقاطه بعد ٥ سنوات ايضا
٥- النظام الجمهوري البعثي ١٩٦٨ تم اسقاطه بعد ١١ سنة بانقلاب صدام على البكر
٦- النظام الصدامي منذ عام ١٩٧٩ كان قاب قوسين او ادنى من السقوط بعد ١٢ سنة خلال الانتفاضة الشعبانية في عام ١٩٩١ ولكنه استمر جراء اتفاق خارجي بسبب عدم تنظيم المنتفضين وعدم قدرتهم على بلورة قيادة قادرة على التفاهم مع المتطلبات الدولية . إلى أن تم اسقاطه بعد ١٣ سنه اخرى باحتلال خارجي . ومن هنا ينبغي الانتباه إلى ان اعتى وأقسى نطام مر على تاريخ العراق بكل ظلمه وجبروته لم يستمر لاكثر من ٢٤ سنة فقط
٧- النظام البريميري المحتل عام ٢٠٠٣، اضطرّ إلى انهاء نفسه عام ٢٠٠٤
٨- النظام الجمهوري الديمقراطي عام ٢٠٠٤ - ٢٠٠٥ والتغييرات الحكومية كل ٤ سنوات منذ ٢٠٠٦ ، تعرض إلى هزة قوية كان ممكن ان تودي إلى سقوطه بعد ٨ سنوات في عام ٢٠١٤ لولا تدخل المرجعية والتفاعل الشعبي لقتال عصابات داعش ثم تعرض إلى هزة اخرى بعد ٥ سنوات اخرى عام ٢٠١٩ في احداث تشرين أدت إلى تغيير مؤقت في تفكير هذا النظام سرعان ما تناساها في ظل نشوة الحكم والمغانم ، لكن بالمجمل فان النظام السياسي الحالي لازال صامداً لمدة ٢١ سنه وهي مدة طويلة نسبيا وضمن المعدل الاقوى لفترات الأنظمة الحاكمة في العراق منذ تاسيس الدولة العراقية.
ولكي اكون صريحا وواضحا ومما سبق في أعلاه، ومن خلال التجربة الخاصة، فان سنن التاريخ وطبيعة الجغرافية السياسية للمنطقة تنذر بقرب وجوب تغيير طريقة الحكم في النظام السياسي الحالي في العراق، واذا لم تستجب القوى السياسية لهذه المتغيرات، فقد تطرأ تغييرات لاتتفق مع رؤى النظام السياسي التي تديره القوى السياسية الحالية، وهذه المتلازمة يجب ان يفهمها اصحاب الحل والعقد في البلد لأن مخرجات العناد السياسي المبني على مصالح خاصة او فوائد فئوية او حزبية ضيقة ستكون سلبية على مجمل المجتمع وتغرق السفينة بمن فيها .. وللأسف سيكون الشعب اول من يدفع ثمن عدم الاستقرار فنحن لانتوقع ان يكون اي نظام جديد بافضل حالا ممن سبقوه في ظل الظروف البيئية والمجتمعية السائدة في البلد والمنطقة. لقد قلت سابقا سرا وعلنا ،خفتاً وجهرا ان النظام السياسي الذي جاء بعد ٢٠٠٣ اثبت بالتجربة عدم ملائمته للطبيعة المجتمعيه للشعب العراقي.. لذا يجب على القائمين (محلياً) عليه التفكير جدياً بتغيير أسلوب الحكم وطريقة ادارة الدولة والتحول إلى المؤسساتية فورا وقطع الطريق عن اي مخططات شريرة تجاه شعبنا وبلدنا والتعامل مع المتغيرات ببرغماتية حقيقية من منطلق التعريف الواقعي للسياسة بانها فن الموازنة بين المباديء والمصالح العامة . وان لم يستطع القائمون على امور الحكم من القوى السياسية على ذلك فيجب دخول اهل الحل والعقد وحكماء الامة لتغيير النظام السياسي ذاتيا من خلال تعديلات دستورية وتحولات سلسة لنظام الحكم باتجاه اكثر ملائمة لمتطلبات الشعب وطبيعته في ظل الاطر القانونية والديمقراطية الحقيقية القائمة على مبدأ الحفاظ على الحقوق وأداء الواجبات . اما إذا لم يتم اتخاذ اي اجراءات واقعية والاستمرار بسياسة اللامبالاة والاستخدام السيء للمقولة التاريخيه الحقة (للبيت ربُ يحميه) والتمسك بعدم التجرد من الأنا الشخصية والفئوية فهذا سيندرج تحت مسمى الغباء السياسي مع احترامي للجميع وسنواجه متغيرات مفاجئة لا يمكن التكهن بشكلها سواء تكون اقتصادية او أمنية او سياسية خارجية ،قد تاخذ شكل عاصفة دولارية او إعصار ارهابي او منخفض اقتصادي له تبعات جماهيرية داخلية ، ستعيد رسم المشهد باستخدام ممثلين ومخرجين جدد قد لايكون للاعبين الأساسيين الان اي دور فيه، وبالتالي سيبقى الشعب العراقي حقلاً للتجارب السياسية التي يحيك مبادئها الآخرون، ويستمر دفع الثمن من قبل ا لأجيال اللاحقة كما دفع جيلنا والذي قبله أثمان باهظة ليس لدينا فيها ذنب سوى اننا ولدنا في هذه البقعة المرسومة من قبل المس بيل قبل اكثر من ١٠٠ عام ..! فاتعظوا يا أولو الألباب ..
*
اضافة التعليق