لماذا تفاعلت الجماهير الشعبية وغير المسيسة مع صرخة القاضي حيدر حنون؟

بغداد- العراق اليوم:

لربما يسأل سائل عن السبب الذي دفع الجماهير الشعبية العراقية، خصوصاً تلك غير المسيسة، للتفاعل القوي مع صرخة رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون التي أطلقها في مؤتمر صحفي ناري عُقد في إقليم كردستان العراق، حيث أدلى حنون  بتصريحات واضحة وصريحة لم تترك مجالاً للغموض أو الإنكار.

في هذا المؤتمر، كشف القاضي حيدر حنون كل الملفات بجرأة قل نظيرها، مسلطاً الضوء على قضايا الفساد التي أثقلت كاهل البلاد لعقود.

 ولم يكتفِ بالإشارة إلى المشاكل، بل اتخذ موقفاً حازماً وواضحاً في توجيه الاتهام إلى المسؤولين عن سرقة المال العام، وبهذا أثار حماس الكثيرين الذين شعروا بأن هذه الصرخة تترجم معاناتهم وغضبهم وإحباطهم الطويل من غياب المحاسبة والعدالة.

الجماهير العراقية التي تابعت تصريحات القاضي حنون لم تتوقف عند حدود المشاهدة، بل نزلت إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة شملت محافظات البصرة، وذي قار، وميسان، وغيرها ..

 هذه المظاهرات التي بدأت تزداد يوماً بعد يوم، لم تكن من تنظيم جهات سياسية أو حركات مدفوعة بأجندات حزبية، بل جاءت عفوية، منطلقة من  وجدان الجماهير المتعطشة للعدالة والتغيير الحقيقيين.  

ففي ميسان، على سبيل المثال، خرج الآلاف من المواطنين أمام مقر المحافظة، رافعين لافتات تدعو لمحاسبة الفاسدين ودعم القاضي حنون في مساعيه الإصلاحية. 

وفي ذي قار، التي شهدت تاريخياً حركات احتجاجية قوية، لم يكن الوضع مختلفاً، حيث تجمعت حشود كبيرة أمام مباني الحكومة المحلية. كذلك في البصرة، فقد كانت الرسالة واضحة مفادها : أن الجماهير ملت من وعود الحكومات السابقة، وصفقات الفساد المدوية  التي يزداد كل يوم حجمها ويكثر عددها ، لذلك هي تطالب بتغيير جذري.

ونعتقد أن السبب وراء هذا التفاعل الشعبي الواسع مع تصريحات حنون، هو شعورهم بأن هذا الرجل قد أنصفهم وأعطى صوتاً لمعاناتهم. لاسيما وأن العراقيين قد شعروا  منذ أعوام طويلة، بأنهم مستهدفون من قِبل "شلل من الأوغاد"، الذين نهبوا ثروات البلاد وتركوا المواطنين في حالة من اليأس والقهر بل وعدم الأمان أيضاً. 

لكن مع ظهور حيدر حنون بخطابه الجريء، استعاد الناس الأمل، والتفاؤل بأن هناك أخيراً من يقف بجانبهم ويدافع عن حقوقهم المهدورة.

وما ميّز هذه الصرخة أيضاً هو أنها جاءت من خارج إطار الخطابات التقليدية المنمقة التي تُلقى عادة في المؤتمرات الصحفية من قِبل المسؤولين وأمثالهم، بعد ما اعتادت الجماهير على تلك الخطابات التي غالباً ما تخفي الحقائق وتحاول تبرير الوضع القائم، جاء حنون ليكسر هذا الروتين، وليواجه الواقع المرير بشجاعة غير مسبوقة ويصدم الشارع بقول الذي لم يقله غيره قط.

التفاعل العفوي للجماهير مع صرخة حنون يُظهر أن العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الاجتماعية، كانوا ينتظرون صوتاً صادقاً يُعبّر عن معاناتهم وآمالهم، وعندما وجدوا هذا الصوت في هذا الرجل، لم يترددوا في دعمه، وتأييده لحظة واحدة، فخرجوا بتظاهرات عفوية صادقة.

من الواضح أن هذا الدعم الجماهيري لم يكن مدفوعاً بأجندة سياسية أو بضغط من أي جهة، فالقاضي حيدر حنون ليس سياسياً ولا حزبياً كما نعرف، ولا يحظى بتغطية جهوية أو فئوية مثل غيره، كي تقيم له هذه التظاهرات الشعبية الكبيرة، ناهيك من أن الناس الذين خرجوا لتأييده في شوارع المحافظات ليسوا من لون معين، ولا من طيف محدد، إنما هم صورة مصغرة من مجتمعات العراق الشعبية المتعددة.. 

إذن، فهو تعبير نقي عن مشاعر الغضب والحرمان التي عاشها العراقيون لسنوات ليس إلاٌ .. لذا فإن التفاعل غير المسيس مع صرخة حنون يمكن تفسيره بكونه نتاجاً لدافع وطني خالص، يتمثل في الدفاع عن المال العام والرغبة في تحقيق العدالة.

وباختصار شديد نقول أن تفاعل الجماهير غير المسيسة مع صرخة القاضي حيدر حنون يعود إلى الإحساس العميق بالظلم الذي عاشه العراقيون على مر السنين، ورغبتهم العارمة في التغيير والمحاسبة. 

لقد نجح القاضي حنون، بشجاعته ووضوحه في كسر حاجز الصمت وفتح الباب أمام ثورة شعبية قد تطيح بمنظومة الفساد المتجذرة في العراق.

وإذا ما  استمر هذا الزخم الشعبي، فإننا قد نشهد قريباً تحركات أكبر وأكثر تأثيراً نحو تحقيق العدالة والإصلاح الذي طال انتظاره.

 

علق هنا