الشارع العراقي لا يزال يغلي من تداعيات سرقة القرن التي لم تُحسم لغاية الآن

بغداد- العراق اليوم:

لا تزال قضية "سرقة القرن" تشغل الرأي العام في العراق، وهي السرقة التي هزت النظام المالي والسياسي في البلاد.

 على الرغم من مرور فترة طويلة على الكشف عنها، إلا أن تداعياتها لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد السياسي والاقتصادي. 

الشارع العراقي يزداد قناعة يوماً بعد يوم بأن هذه السرقة لم تكن لتتم لولا تورط أو تواطؤ جهات نافذة، مما يعزز الشعور بالإحباط وعدم الثقة في النظام السياسي الحالي.

 صرخة القاضي 

في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً، أطلق رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون صرخة مدوية كانت بمثابة ناقوس خطر يعلن عن ضرورة الكشف عن جميع تفاصيل هذه الفضيحة الكبرى. 

حنون قال إن هذه السرقة يجب أن تُفضح بالكامل، ويجب ألا يُترك الملف سائباً كما هو الحال الآن، حيث أن استمرار تجاهله قد يؤدي إلى كوارث وتداعيات قد تفوق قدرة النظام السياسي على استيعابها.

وأعرب القاضي حنون عن استيائه من المحاولات المستمرة لعرقلة التحقيقات وإخفاء الأدلة، مؤكداً أن "سرقة القرن" ليست مجرد قضية فساد تقليدية، بل إنها تمثل تهديداً حقيقياً لاستقرار النظام السياسي في العراق. 

وقد أثارت تصريحاته ردود فعل واسعة بين السياسيين والمدونين والناشطين.

 ردود الفعل 

تعليقاً على المؤتمر الصحفي، تحدث عدة شخصيات سياسية واجتماعية، من بينهم الشيخ حسن الشيباني، الذي وصف تصريحات حنون بأنها "الصرخة التي طال انتظارها". 

وقال الشيباني: "ما قاله الحكيم ودعمه الخزعلي خطوة مهمة، لكن لم يضعا اليد على الجرح. الحل الوحيد يكمن فيما قاله القاضي حيدر حنون، فهو الشخص الذي تجرأ على الحديث عن المشكلة الحقيقية".

أما القاضي والنائب السابق وائل عبد اللطيف، فقد أكد أن ضغوطاً كبيرة مورست على حنون، مما دفعه للانفجار بهذه التصريحات. 

وقال عبد اللطيف: "الوضع أصبح معقداً للغاية، وهناك ضغوط تمارس على الجهات الرقابية لوقف التحقيقات أو التلاعب بالحقائق".

من جانبه، قال النائب علي التركي: "القاضي حيدر حنون وصل إلى نقطة لا يمكنه البوح بها بعد، فحجم الفساد والتورط في سرقة القرن يفوق كل التوقعات،الأمر ليس مجرد سرقة مالية، بل هي شبكة من الفساد المتداخل الذي يشمل جهات محلية ودولية".

 تفاعل دولي

الكاتب الصحفي سمير عبيد اعتبر أن تصريحات حنون جاءت في توقيت حرج، حيث وصفها بأنها "الصرخة الصغرى التي ستسبق الصرخة الكبرى". وأشار عبيد إلى أن صرخة حنون تتزامن مع سقوط رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، الذي اعتُقل بتهم فساد كبرى. 

وأوضح أن سلامة يمثل شاهداً مهماً على الحسابات السرية للسياسيين العراقيين.

 وقال: "ما حدث في لبنان يشكل جزءاً من سلسلة أحداث قد تمتد إلى بغداد، وصولاً إلى واشنطن ونيويورك، وهو ما ينتظره المجتمع الدولي الذي يسعى إلى تغيير النظام في العراق".

وأضاف عبيد أن المجتمع الدولي يعمل حالياً على ملف التغيير في العراق، مؤكداً أن الولايات المتحدة والدول الكبرى تسعى إلى إعادة هيكلة النظام السياسي في بغداد تحت شعار "إصلاح الفشل الأمريكي في العراق".

 تحذيرات 

الدكتور همام الشماع، المحلل الاقتصادي، قال إن تصريحات حنون هزت عروش الفساد، خصوصاً بعد أن أعاد حنون فتح ملف نور زهير، الشخصية البارزة في فضيحة "سرقة القرن".

 وأكد الشماع أن كبار المتورطين في الفضيحة يدركون الآن أن القاضي حنون تجاوز الخطوط الحمراء، مما يزيد من احتمالية تصاعد الصراع الداخلي بين الفاسدين والمؤسسات الرقابية.

بدوره، طالب النائب المستقل باسم خشان مجلس النواب باستضافة القاضي حيدر حنون لمزيد من الإيضاحات حول ما ذكره في المؤتمر الصحفي.

 وقال خشان: "ما تحدث عنه القاضي حنون خطير جداً، ويلزم مجلس النواب بمناقشته بشكل عاجل، خاصة أن ما كشفه قد يحمل تبعات سياسية واقتصادية لا يمكن التنبؤ بها".

في ختام المؤتمر الصحفي، شدد القاضي حيدر حنون على أن هيئة النزاهة لن تتوقف عن متابعة هذا الملف حتى الوصول إلى الحقائق كاملة ومحاسبة جميع المتورطين. 

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل سيستطيع النظام السياسي العراقي تحمل تبعات هذه الفضيحة التاريخية، أم أن "سرقة القرن" ستكون الشرارة التي تشعل نار التغيير في العراق؟

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الدولية والمحلية على الحكومة العراقية للكشف عن المزيد من التفاصيل حول القضية، يستمر الشارع العراقي في غليانه، مطالباً بإجابات شافية وعدالة محاسبة المتورطين، مهما كانت مواقعهم.

علق هنا