القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية

بغداد- العراق اليوم:

د بلال الخليفة، و حسنين تحسين

ان النظام الاقتصادي العراقي قبل عام 2003 هو نظام اشتراكي يعتمد على وضع كل الأمور الاقتصادية في يد الدولة امتلاكا وإدارة ، مع وجود هامش بسيط للقطاع الخاص يكاد ان لا يرى، وكذلك قطاع مشترك يكاد ان يكون للمتنفذين من السلطة.

بعد عام 2003 وسقوط النظام الاشتراكي ومجيء نظام ديمقراطي وكما تم وصفو بالمادة رقم (1) من الدستور الذي نص (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي . وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) وبالتالي هو الاتجاه نحو النظام الرأسمالي في مجال الاقتصاد وكان الشعار لدى معظم السادة المسؤولين هو خصخصة مؤسسات الدولة.

اطلاع بسيط باتجاه الاقتصاد العراقي يتبين انه نظام هجين فاقد لبوصلته ومنهجيته فهو ليس باشتراكي وليس براسمالي فعقلية المواطن والمسؤول العراقي لازالت ممتلئة بالاشتراكية فالمسؤول يريد كل شيء في يدة وبالمقابل ان المواطن يريد التعيين وقطع الأراضي وغيرها من الدولة.

ومن نفس العقلية يتم اتخاذ القرارات ومن امثلة ذلك 

القرار الأول: ما تضمنته موازنة عام 2024، في بداية شهر اب أغسطس لسنة 2024 قررت الحكومة العراقية وفي موازنتها العامة الاتحادية لعام 2024 بتحويل الشركات النفطية وغير النفطية الرابحة من نظام التمويل المالي الذاتي إلى المركزي، ونحن نعلم ما سيعكسه من تقييد للصلاحيات وحصرها في بغداد، مقارنة بالسنوات الماضية في تاريخ تلك الشركات، حيث كانت تتمتع بحريتها المالية وما يتعلق بالمشاريع وصرف الرواتب والمخصصات.

للعلم ان هذا القرار له ابعاد كثيرة منها:-

1 – انه تكريس لسلطة الحكومة على الشركات العامة وكانه عودة للنظام السابق رغم ان القانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 تم تشريعه في النظام السابق.

2 – تقييد لصلاحية الشركات والتي تنعكس حتما على أداء الشركات وانتاجيتها فمثلا ان الاحتياجات البسيطة والتي كانت تنفذ على الموازنة التشغيلية وبصلاحيات إدارة الشركات فأنها الان لا تملك سلطة على تخصيصها المالي الا بعد مخاطبة وزارة المالية وهذا الامر يعقد الامر كثيرا ويستهلك وقت اكبر حتى في أمور تافهة. ومن الأمثلة لو أراد مدير عام شركة شراء حاسبة وهي لم تكن في الموازنة التشغيلية فانه سيكتب لوزارة المالية مع مبررات وكم يحتاج هذا الامر لمراسلات وجهد وظيفي وبيروقراطية إدارية، كما ان المدير العام لا يستطيع ان يعطي موظف ما مكافئة ان لم تكن مخططة في الموازنة التشغيلية.

القرار الثاني:  زيادة المال المخصص للخزينة العامة من أرباح الشركة 

ان القانون الذي ينظم عملية الشركات العامة  القانون المرقم 22 لسنة 1997 الصادرة ايام النظام السابق يسن توزيع واردات الشركات العامة حتى تكون رابحة على النسب التالية:-

مادة 11

أولا – يقصد بالربح الصافي لأغراض هذا القانون زيادة الايرادات على المصروفات الظاهرة في حساب الارباح والخسائر للسنة المالية للشركة المنتظم وفق التشريعات النافذة والانظمة والاعراف المحاسبية المعتمدة والمدقق من قبل ديوان الرقابة المالية والمصادق عليه من قبل الجهة المخولة قانونا

ثانيا – تستبعد الارباح والخسائر الرأسمالية واية ارباح او خسائر ناجمة عن النشاط غير العادي للشركة من الربح القابل للتوزيع لأغراض توزيع حصة العاملين

ثالثا – لا يزيد الربح القابل للتوزيع على نسبة 30% ثلاثين من المئة من كلفة النشاط الجاري ويحول ما زاد على ذلك الى وزارة المالية

رابعا – يتم توزيع الربح المنصوص عليه في البند ثالثا من هذه المادة وفق النسب الآتية :

1 -  45% خمس واربعين من المئة للخزينة العامة .

2 -  33% ثلاث وثلاثين من المئة حوافز ربح لموظفي الشركة وللمتميزين منهم ولأعضاء مجلس الادارة وموظفي مركز الوزارة وفق نسب وضوابط بضعها مجلس الادارة وبمصادقة الوزير.

3 -  5% خمس من المئة للبحث والتطوير.

4 -  5% خمس من المئة للخدمات الاجتماعية للعاملين.

5 -  المتبقي منه لاحتياطي رأس المال.

خامسا – لمجلس الوزراء زيادة او تخفيض النسب الواردة في البندين ثالثا و رابعا من هذه المادة في ضوء نتائج النشاط والظروف الاقتصادية

بهذا القرار يتم تحويل حصة الخزينة من 45‎%‎  إلى 75 ‎%‎ صافي إلى الخزينة العامة

و يكون التقسيم كالاتي

1- نسبة 75‎%‎  من واردات الشركات تذهب للخزينة( المالية)

2 - نسبة الحوافز (مستحقات الموظفين ) و مستلزمات البحث و التطوير و الخدمات الاجتماعية و احتياطي رأس المال كلها بعد ان كانت 55‎%‎ خُفضت إلى 25‎%‎ !!!!

 

القرار الثالث: زيادة رواتب أعضاء البرلمان

في نفس الوقت وبدون ضجة إعلامية لانشغال الناس بقانون الأحوال المدنية، قرر البرلمان العراقي بزيادة رواتب أعضائه بنسبة 30 % وهم يعملون على خفض مخصصات الموظفين العاملين في الشركات العامة الرابحة.

تجارب ناجحة

توجد العديد من التجارب الناجحة للشركات العامة ومن ابرز تلك التجارب هما

أولا: إدارة حقل مجنون النفطي

حقل مجنون هو احد الحقول الاربعة العملاقة في جنوب البلاد، حيث انه احد العقود التي تمت احالته الى الشركات الأجنبية وكانت شركة النفط الكبرى رويال دتش شل مع شركة بتروناس في عام 2009 لكن الشركة انسحبت رسميا من العراق في عام 2018، وقررت قيادة القطاع النفطي بان تكون إدارة الحقل وطنية بدل الشركات الأجنبية مع منح صلاحية لادارة الحقل مشابة للشركات الأجنبية وهذا ما جعل الإدارة ناجحة جدا واعتبرت هذه التجربة مثال رائع.

ثانيا: اعمار مصفى الشمال

ويقع مصفى بيجي بمحافظة صلاح الدين، ويضم ثلاث وحدات إنتاجية هي مصفى صلاح الدين 1 ومصفى صلاح الدين 2 ومصفى الشمال. وتعرض مصفى بيجي إلى دمار كبير نتيجة المعارك بين قوات الأمن العراقية ومسلحي تنظيم داعش الذي سيطر على عدد من المدن شمال وغرب العراق عام 2014 ومنها مدينة بيجي التي يقع فيها المصفى. وكانت نسب الدمار فية اكثر من 90% لكن بجهود وطنية فقط تمت اعادة تأهيله بعد توقف استمر أكثر من عشر سنوات، حيث تم افتتاحه في بداية هذا العام (فبراير عام 2024 ) .

اما سر نجاح هذه التجربة ان الحكومة وإدارة القطاع النفطي أعطت صلاحيات واستثناءات أي حررتهم من بعض القيود المالية مما جعلهم تجربة تعد اكثر من ناجحة.

الخلاصة

1-    ان القرار تم اتخاذه لزياد إيرادات الدولة وبالتالي زيادة المشاريع الخدمية المنفذة وهنا نستطيع ذلك بالتالي: 

أ‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات وفي نفس الوقت يتم تعيين اكثر من الف موظف.

ب‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات وهي تصدر نفطاً دون سعر خام الإشارة.

ت‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات وتقوم بإصدار إعفاءات لشركات ودول.

ث‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات ولا تهتم بجباية الأموال ومنها جباية الكهرباء.

ج‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات وهي لا تهتم باي قطاع انتاجي مثل الصناعة وغيرها.

ح‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات ولا يتم خلق بيئة جاذبة للمستثمرين.

خ‌-    كيف تريد زيادة الإيرادات ولا يتم محاسبة الفاسدين.

د‌-    كيف تريد زيادة الإنتاج والأمور الاقتصادية خاضعة للمحاصصة

2-    ان القرار سيؤدي الى انخفاض أداء الشركات النفطية وذلك لتقييد صلاحيتهم.

3-    ان توجه الحكومة ضد الخدمات الاجتماعية واحوال الموظف وضد البحث العلمي.

4-    هذا القرار يحول الشركات الرابحة إلى خاسرة بمرور الوقت و يُعجزها عن صيانة معداتها مما سيؤثر على انتاج المشتقات النفطية مستقبلاً و هذا ما يضطر الدولة لرفع الاسعار لعدة اعتبارات.

5-    ربما ستؤدي هذه القرارات الى عرقلة في القطاع النفطي نتيجة استياء الموظفين.

6-    ان حرية الصرف لدى شركات جولات التراخيص النفطية كبير وهذا سر نجاحهم ويقابله تقييد كبير للشركات العامة الحكومية وبالتالي زيادة فشل القطاع العام لصالح نجاح القطاع الخاص. ومن الطريف ان العقود المبرمة مع شركات جولات التراخيص توجد مادة تنص على ان المشغل يجب ان يستخدم افضل واحدث الممارسات العالمية، وان العالم غادر المركزية منذ زمن بعيد ونحن نعود اليها وكأننا نسير الى الخلف.

علق هنا