بغداد- العراق اليوم:
يجانب الصواب من يعتقد ان الديمقراطية هي افضل طريق للحكم، عبر تحكيم الارادة الشعبية في صنع السلطة السياسية وتكوين مؤسسات الدولة الضامنة للتنوع الاثني – العرقي، ويجانبه ايضاً من يعتقد ان بديلها التسلطي يمكن ان يكون، الخيار الامثل. لكننا قد نكتفي بمقولة الكاتب الانكليزي الشهير برنادشو الذي قال واصفاً الديمقراطية بأنها اقل انظمة الحكم سوءاً!
بالفعل ان الديمقراطية نظام سيء، لكنه الحل الاقل ضرراً بالتأكيد من بقية الحلول الاخرى، لمعضلة تكوين السلطة السياسية في اي بلد من هذا العالم.
السوء في الديمقراطية، ليست بمحتواها النظري الذي يتيح للفرد ان يكون مشاركاً في صناعة السلطة السياسية التي يريدها، وتتيح له عزلها او حتى تبديلها برمتها ان شاء، لكنها سيئة أيضاً في هذه النقطة من الناحية العملية، بمعنى ان تسليط الفرد على النظام السياسي، وتمكينه من انتاج شكل الدولة، عملية في غاية الخطورة. ولكن كيف؟
الجواب، ببساطة ان هذه العملية تطلب من الفرد – الذي يكون ناخباً او مستفتى في النظام الديموقراطي – ان يكون على درجة وعي تامة بعملية انتاج الدولة، او على الاقل مستوى الوعي الأقل في عملية وضع اللبنة في مكانها الصحيح.
وكي لا يتشعب بنا الحديث، اشير الى ان الديمقراطية بمعنى مبسط جداً، تعني تمكين الكل في صناعة الجزء، اي انها عملية اختزالية بمفهوم ادق، حيث تفترض ان يساهم الكل – المجتمع – بصناعة الجزء – النخبة السياسية – التي بدورها تقوم ببناء النظام السياسي – الدولة – للتعبير عن مصالح الكل.
وهنا تكمن الخطورة، حيث ان هذا البناء الدقيق للدولة، يتطلب شيئا كبيرا من الدقة في مفاصل العملية، لاسيما نقطة الانطلاق الأولى، فلأجل الوصول الى تمثيل شعبي، تتطلب الديمقراطية اشراك المجتمع عبر استفتائه، كي يختار من يمثله في السلطة السياسية، سواء بالاختيار المباشر، او غير ذلك كما في النظام البرلماني الذي اختاره العراق بعد 2003.
حيث ان النظام البرلماني، يقوم على مبدأ التمثيل غير المباشر للادارة الشعبية، حيث يقوم الشعب باختيار ممثليه في المجلس النيابي، وهذا الأخير ينتج بقية مؤسسات الدولة، باعتباره الحائز على تخويل وتفويض الشعب.
ومن هنا، كانت الديمقراطية العراقية الناشئة، عرضة للاهتزازات، نظراً لغياب فهم واضح لدى الناخب والمُنتخب، بدورهما، فالأول لا يزال يعتقد ان وظيفته الاساس، هو منح الشرعية – عبر التصويت - وعليه الانتظار، والثاني يظن ان وظيفته الاساس، لا تمثل الذين انتخبوه لانتاج سلطة سياسية تمثل مصالحهم، قدر ما هو تفويض منهم لجعل نفسه سلطة سياسية بديلة للدولة، وهدم اسسها القائمة.
بمعنى أوضح ان التجربة النيابية العراقية المرتبكة، لم تأتِ على فهم الأدوار والوظائف، قدر ما حملت فهماً مترسباً وخاطئاً عن مفهومي السلطة السياسية والدولة، فالكثير من الناخبين، والمُنتخبين لا يفرقون بين الحكومة كسلطة، والدولة كمؤسسات، لذا جرى تهديم اسس الدولة بدعوى تهديم اسس السلطة السياسية المنحرفة.
فكان ان تحول عملية التمثيل السياسي الى "بازار" رخيص للشعبويين والفوضويين واشباه السياسيين الذين انخرطوا في مغازلة وعي الناخب، المعادي للسلطة السياسية، وتعاون الاثنين على هدم اركان الدولة بمعاول تمثيل الصالح العام، والحفاظ على الحقوق الانتخابية. وللحديث صلة.