بغداد- العراق اليوم: فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة سيدي أبا الأحرار .. في كل عاشوراء، أبعث لك هذه الدعوة الصادقة المنبعثة من أعماق قلبي، وقبل مَقدم كل (محرم) أنشر هذه الرسالة أو المقال، - سَمّها ما شئت- فما يهمني هو ان تعرف كم نحبك نحن الفقراء، الحسينيين الحقيقيين، وأن تعرف أيضاً كم يكذب عليك اولئك المرائيون، الباكون على مصابك بدموع التماسيح. لذا، إسمح لي يا سيدي ابا عبد الله أن أقول بكل ما في مهجتي من حب وولاء لثورتك العظيمة: مرحباً بك في عراقنا، عراق الفقر والعوز و (النفط الوفير ).. مرحباً بك في بلاد (الرافدين) وما بين النهرين، وروافد الفراتين، التي باتت أرضها اليوم ظامئة، عطشى حد التفطر والإنشقاق من شدة الضمأ والجفاف ..! مرحباً بك وبراياتك العالية الخفاقة على طول وعرض الازمان .. تلك الرايات التي أسقطت الف طاغية وطاغية، دون ان تنال منها الرياح العاتية، أو تصل اليها يد الدهر الظالمة. مرحباً بثورتك التحررية العظيمة التي جاءت هذه السنة متزامنة مع ثورة الرابع عشر من تموز، ثورة زعيم الفقراء عبد الكريم قاسم، الذي اتخذ من ثورتك الشريفة نبراساً يهتدي بنوره ووهجه الساطع، فسار على ضوء نهج دربك النزيه، وانتهى به المطاف كما انتهى المطاف بالالآف بل والملايين من اتباعك الشهداء الأحرار الأبرار .. مرحباً بك يا درة الهواشم، وتاج الحرية وقائد مواكب الشهداء، وسفينة (نجاة الأمة) التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وترسو في أول محرم على موانئ العشق والولاء الحسيني.. فمرحباً بسفينة نجاة الأمة وشراعها الأبيض رغم سواد الأيام. مرحباً بك يا قانون العدالة والنزاهة والشرف والإباء، وضمير الحرية..يا نور الله الباهر، ومنجز الطبيعة الفاخر، وجمال الإنسانية النادر .. مرحباً بك لتحل في قلوبنا الطيبة قبل بيوتنا الأكثر طيبة، وتعيش في ضمائرنا كما عشت في أرواحنا مذ عرفناك.. لقد انحزنا لك نحن المظلومين، المحرومين، المهمشين منذ نشوء الطبقات والإستغلال الطبقي، وظهور الظلم والظالمين في عراقك الذي رويت أرض كربلائه بدمك الطاهر، وزرعت في كل شبر منه بذور البطولة والشجاعة ورفض الذل والعبودية .. لقد انتمينا لك قبل أن ( ننتمي) لأي فكرة سياسية، وانخرطنا في كيانك قبل أي كيان نضالي، فتداخل الإنتماءان ولم يفترقا قط.. أجل، فنحن محبوك الحقيقيون، الصادقون، بلا رياء أو ادعاء، لا يبغون من حبك جزاءً ولا شكورا، وكما قال سيد البلغاء علي بن أبي طالب، وهو يخاطب ربه بصراحة ليست مثلها صراحة، قائلاً: (الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، لكني وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك ..).. فيا سيدي أبا عبد الله .. نحن الفقراء الموزعون على أرض العراق من الجنوب الى الشمال، ومن الشرق الى الغرب- شيعة وسنة- وغير مسلمين، ندعوك في هذه الأيام العاشورائية، الى بيوتنا الصغيرة، الفقيرة، الطيبة، لتحضر مجالسنا الحسينية البسيطة الخالية من (الفخفخة)، والإدعاء والبذل والتنافس الوجاهي على نيل لقب (المجلس الأفخم) ! نحن عشاقك الراضين (كراهة) بعيشهم البائس في بيوت الصفيح أو التنك كما يسميها بعضهم !!.. نحن أبناء طبقات البؤس والكدح والضيم والبطالة والعوز، والإهمال المبرمج من قبل جميع الحكومات العراقية -باستثناء حكومة عبد الكريم قاسم.. ندعوك الى (قراياتنا) البسيطة في قطاعات (الثورة) / الصدر المظلومة، والشعلة المحرومة، وعشوائيات مدينة الحرية، وحي طارق وحي الرشاد، والحميدية والحسينية والمعامل والديوان، وسبع قصور.. فتعالَ بحضورك الرسالي، وأضئ بيوتنا المنطفئة، بقناديل نورك، وجمالك، وروعتك المشعة أبداً.. تعالَ سيدي يا أبا عبد الله الى مجالسنا الحسينية الصغيرة المقامة في بيوتنا واكواخنا الطيبة، في مناطق الحيانية والگزيزة وخمسة ميل والمدينة، والصدرية، والعرفية، والعزة، وكميت وقلعة صالح والمجر والميمونة وعلي الغربي، وحي الملايين، ومنطقة العرايا ومنطقة الجربوعية ..و …الى آخر مناطق الألم والوجع والمعيشة المرّة.. تعالَ لترى العيون النقية، والقلوب المحبة، والارواح العاشقة لرسالتك وقيمِك المعطرة باريج الحرية .. تعالَ الى مجالسنا في ليالي محرم، لكي تطمئن على حصانة الحرية في قلوبنا، وسلامة المبادئ التي دفعت دمك ودماء أهلك وأصحابك ثمناً لها .. فنحن – وليس غيرنا – من يبكي بصدق على فجيعتك وفجيعتنا، ويحمي بصدق مبادئك، ويصون قيمها التي داست خيول القتلة على جسدك الطاهر من أجل انتزاعها ففشلت. نحن ياسيدي المزروعين في بؤر العذاب وبيوت القهر والجوع والصبر، في أحياء الداوي، وحي كبابة، وأم العظام، والصويرة، ومحيرجة، والعزيزية، وشيخ سعد، والتعيس، والجباوين، والمهدية، وأبو خستاوي، وتلعفر، وتسعين، وغيرها. نحن سكنة علب السردين والبيوت المتداخلة الذين يسموننا (الحواسم) تحقراً، والذين ينامون ويصحون بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء، ولا رغيف خبز نظيف، ولا شوارع معبدة، ولا مجارٍ وصرف صحي .. وطبعاً بلا مدارس ولا معلمين أيضاً. نحن الفقراء المنسيين، المشطوبين من ذاكرة السياسيين طيلة السنوات والشهور والأيام -عدا أيام الإنتخابات، حيث يتكاثر مجيئهم ورواحهم علينا، وتتزاحم وعودهم الخادعة أمام ناظرينا -!! سيدي أبا عبد الله، ماذا اقول لك عن سياسيينا ومسؤولينا و(قاتلينا)، وأثرياء النعمة الحديثة، وعن أولئك اللصوص من (أبطال) سرقة القرن، أو ما فوق ودون (القرن)، والذين تورمت أوداجهم، وانتفخت بطونهم باموال السحت الحرام، حتى غصت حساباتهم في مصارف وبنوك العراق وبيروت ودبي ولندن وغيرها بمئات ملايين الدولارات التي اقتطعوها من أرماق الأيتام والأطفال العراقيين المحرومين.. إن المشكلة ليست في ما نهبوه من قوت الناس ياسيدي، إنما في انتحالهم صفة الولاء لك - وأنت منهم ومن ولائهم براء- لقد بدأ بعض هؤلاء – وأعرف بينهم واحداً من حرامية سرقة القرن – يعدون العدة منذ أيام لاستقبال شهر محرم .. وراح بعضهم يهيء ديكوره ويرتب قصره، ويرفع من منصة صالونه ليشيد في وسطه منبراً حسينياً متشحاً بالسواد !! هكذا بكل سهولة يغتصب هذا ملايين الدولارات من أفواه المعدمين، ثم يقيم مجلساً حسينياً للتغطية على جريمته، وفضيحته، (القرنية) ليتحول بين ليلة وضحاها من لص وفاسد، الى رجل ورع، تقي، يخدم مجالس أبي عبد الله..! ولكن أملنا كبير بأبناء القاضي الصارم (حيدر حنون) وفتية هيئة النزاهة الذين يحصون عليه وعلى امثاله أنفاسهم، باسترداد أموال الفقراء، وقبل ذلك بإيقاف نزيف الفساد الكارثي المدمر .. وقطعاً فإن قبل كل عين ثمة عين الله التي لاتنام، والتي ترى أكبر الأفعال، وأصغر الصغائر أيضاً.. ختاماً أكرر طلبي ورجائي وتوسلي اليك سيدي أبا عبد الله في ان تأتي الى مجالسنا الصغيرة بمساحاتها، والكبيرة بصدقها وايمانها، ولا تذهب إلى (مجالسهم)، وصالونات قصورهم الفخمة، التي شيدت بدمائنا، وقوت أطفالنا، فنحن الفقراء المهمشين، أحق بك منهم .. ليس لأننا محبوك و(ربعك) فحسب بل ولاننا مخلصون لقيم الحرية والعدالة التي ذدت واستشهدت لأجلها .. لقد حضرت أمس مجلساً حسينياً في بيت ابن خالتي (محمد أبو جاسم) في حي الرشاد- وما أدراك ما بؤس وفقر حي الرشاد- ورأيت الناس الفقراء المعدمين الذين يحبونك بصدق، ويعشقونك بحق، ويبكون عليك بقلوبهم قبل عيونهم، رأيتهم كيف يعيشون بين أنياب الفقر والجوع والمرض والعوز والإهمال والتهميش، فبكيت دمعتين، دمعة على مصابك سيدي الحسين، ودمعة على مصاب هؤلاء الشرفاء ..
فالح حسون الدراجي في مجلس حسيني بحي الرشاد ليلة امس
*
اضافة التعليق