أوجاع الظّهر لدى الأطفال... تحدٍ جديد بسبب الأجهزة الإلكترونيّة

بغداد- العراق اليوم:

أظهرت دراسة دنماركية جديدة أنه بقدر ما يجلس الأطفال لوقت أطول أمام الشاشات، يزيد أكثر  خطر إصابتهم بأوجاع في الظهر في عمر 11 أو 12 سنة. في المقابل، يقلص النشاط الجسدي اليومي هذا الخطر. ففي هذا العالم الرقمي الذي نعيش فيه، تبدو هذه من مشكلات العصر التي يصعب الهروب منها ويواجهها الراشدون كما الأطفال نظراً للساعات الطويلة التي يمضونها أمام الأجهزة الإلكترونية. لكن، حالياً يسلط الخبراء الأضواء على مشكلات الظهر التي تبدأ من مرحلة الطفولة والتي يمكن التدخل لمعالجتها في الوقت المناسب قبل أن تتطور وتزيد صعوبة العلاج.

كيف اختلف النشاط الجسدي للأطفال بين الأمس واليوم؟

لطالما تميّز الأطفال بطاقة تصعب السيطرة عليها وبنشاط لا يهدأ. فكان اللعب خارجاً من الهوايات المفضلة لهم في أي وقت من أوقات النهار. لكن كان ذلك قبل أن تدخل الأجهزة الإلكترونية، بمختلف أشكالها إلى حياتنا، فتحوّل نمط حياة هؤلاء الأطفال ليغلب عليه الركود فيما يجلسون طوال ساعات دون حراك. هذا، ما بات يشكل خطراً على صحة الأطفال النفسية، وعلى نموهم الاجتماعي إلى حد أن التوصيات الأخيرة دعت إلى عدم إعطاء الطفل دون سن الثلاث سنوات جهازاً إلكترونياً، وإلى عدم اقتناء الطفل هاتفاً قبل بلوغه عمر الـ11 سنة، وألا يُفتح له حساب على وسائل التواصل الاجتماعي قبل عمر 13 سنة نظراً لتداعيات هذا العالم عليه من النواحي كافة، ومنها نموه الاجتماعي. وتضاف اليوم مشكلة جديدة مترتبة عن تمضية ساعات أمام الأجهزة الإلكترونية، فيبدو أن مشكلات الظهر لدى الأطفال في تزايد مقلق، كما يبدو واضحاً للأطباء. وبحسب ما يوضح الطبيب الاختصاصي في جراحة العظام لدى الأطفال والأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية الأميركية وفي جامعة نيس الفرنسية الدكتور طوني حايك، تراجعت معدلات ممارسة الرياضة بين الأطفال تراجعاً ملحوظاً في أيامنا هذه بوجود الأجهزة الإلكترونية. فبعدما وُجد النشاط الجسدي في حياتهم تلقائياً ويومياً، أصبح شبه معدوم اليوم. ففي المرحلة الحالية، قد يمارس البعض الرياضة في النوادي الرياضية أو في أي مكان آخر، فيما يمضي الباقون ساعات أمام الأجهزة الإلكترونية دون ممارسة أي نشاط جسدي، ما يشكل كارثة حقيقية على الظهر.

ما المشكلات التي تنتج من الجلوس ساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية؟

يشبّه حايك ظهر الطفل أو العمود الفقري لديه بالنبتة التي تنمو في الأرض لكنها قد تصل إلى مرحلة تنحني فيها ولا تبدو مستقيمة، ما يدعو الفلاح إلى استخدام عود خشبي لتستمر بالنمو بشكل مستقيم. فكون عظام الطفل طرية هي تتخذ الشكل الذي تنمو فيه، وعندما يجلس في وضعية يحني فيها ظهره إلى الأمام بشكل متواصل للعب، من الطبيعي أن ينمو بهذا الشكل فيكون ظهره منحنياً إلى الأمام، وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها حالياً بين المراهقين، خصوصاً أن الأطفال يميلون أصلاً أيضاً إلى الانحناء إلى الأمام أثناء الكتابة في المدرسة وفي إنجاز فروضهم. حتى  أنه في مرحلة عمرية معينة تظهر لدى الطفل ما يشبه الحدبة من اليمين واليسار، إضافة إلى أنه يحني ظهره إلى الأمام. هذا، مع الإشارة إلى أن حقيبة المدرسة، وإن كانت ثقيلة الوزن بشكل غير مقبول، لا تسبب مثل هذه المشكلات للطفل وليست السبب وراء ألم في الظهر يعانيه الطفل كونه يحملها لفترة محدودة.

تيبس تليه أوجاع

من مشكلات الظهر التي يواجهها الأطفال أيضاً بسبب جلوسهم لساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية التيبس في العضلات، وهذا ما يسبب أوجاعاً في الظهر وقلة ليونة واضحة نتيجة التشنج العضلي. كما يترافق ذلك مع أوجاع والتهابات. وخاصة يمكن أن يعاني الطفل أوجاعاً عندما يقرر ممارسة الرياضة بعد فترات طويلة من الجلوس. علماً أن المشكلة هي في الوقت نفسه في الجلوس لوقت طويل وأيضاً في الوضعية التي يجلس فيها الطفل وهو يحني ظهره إلى الأمام. وفي مرحلة عمرية معينة في حال عدم الخضوع إلى العلاج اللازم لا يعود قادراً على تقويم ظهره ويحصل تشوه فيه. وهذا ما يستدعي اللجوء إلى جهاز خارجي يساعد على استقامة الظهر عبر دعمه بالشكل المطلوب.

ما التصائح التي قد تساعد على مواجهة مشكلات الظهر لدى الأطفال؟

تجنباً لكل مشكلات الظهر التي يمكن أن يتعرض لها الطفل جراء الجلوس مطولاً أمام الأجهزة الإلكترونية، يشدد حايك على بعض التوجيهات التي ترتبط بنمط الحياة في مختلف الأعمار:

- يجب أن يمارس الطفل الرياضة أو أي نشاط جسدي لمدة نصف ساعة على الأقل أو ساعة يومياً. قد يكون هذا النشاط عبارة عن ركوب الدراجة أو المشي أو الركض أو اللعب خارجاً، ومن ضمن الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها أيضاً صعود السلالم وليس ضرورياً أن يتوجه إلى النادي الرياضي لذلك.

- يُمنع منعاً باتاً الجلوس لساعات طويلة دون ممارسة أي نشاط، سواء للعب على الأجهزة الإلكترونية أو لأي سبب آخر. فالنشاط الجسدي مطلوب من الطفل كما من الراشد.

- على كل أطباء الأطفال إجراء الفحص السريري اللازم للطفل في عمر 6 أو 7 سنوات، بشكل يكون فيه دون لباس في القسم الأعلى من الجسم للتحقق من ظهره من الخلف والأمام وعندما ينحني، والتأكد من استقامة الظهر ومن مستويات الليونة أو التيبس. ويجرى هذا الفحص مرة كل 6 أشهر. 

- في حال ملاحظة عدم تجانس، سواء في الكتف أو في أي موضع آخر، يجب استشارة الطبيب مباشرة لاحتمال وجود التواء في العمود الفقري، وهي حالة تصيب الفتيات في نسبة 70 في المئة من الحالات، وتنتقل بالوراثة.

- لا يعتبر أي وجع في الظهر لدى الطفل طبيعياً، خصوصاً إذا كان يوقظه ليلاً، ويجب استشارة الطبيب مباشرة لاحتمال وجود ورم حميد لا بد من إجراء جراحة لاستئصاله لأنه يسبب وجعاً التهابياً.

- يمكن أن يعاني الطفل وجعاً في الظهر يرتبط بالتيبس لجلوسه ساعات طويلة، وبالتالي قد ينتج الوجع من قلة ممارسة الرياضة، كما يمكن أن يكون مرتبطاً بالعضلات بسبب كثرة ممارسة الرياضة أحياناً. في كل الحالات، إذا زال في اليوم التالي بعد الاستراحة ليلاً، هو لا يدعو للقلق.

- على الطفل أن يعتمد وضعية صحيحة أثناء الجلوس يكون فيها ظهره مستقيماً في مختلف الأوقات، سواء أثناء الدراسة والكتابة، أو أثناء اللعب، أو عند مشاهدة التلفزيون حفاظاً على استقامة العمود الفقري.

- إذا لاحظ الأهل أن رأس الطفل لا يبدو بمستوى جسمه عند النظر إليه من الجانب، بل يكون إلى الأمام بسبب انحناء الظهر يجب استشارة الطبيب دون تأخير لأنه بقدر ما يعتمد العلاج المناسب في مرحلة مبكرة لتقويم الظهر من خلال الجهاز الخاص، يكون العلاج أكثر سهولة. أما التأخير إلى ما بعد اكتمال نمو الطفل فيزيد من صعوبة العلاج.

علق هنا